تضامنًا مع حق الشعب الفلسطيني |
فنون إيران
يفتقر محتوى هذه المقالة إلى الاستشهاد بمصادر. (نوفمبر 2021) |
قُدّر لبعض الشعوب أن يكون لها في تاريخ المدنيّة شأن، وأن تكون في ميدان الفنون إماما ينسسج الآخرون على منواله ويقتفون أثره. وعلى رأس تلك الشعوب الإغريق والإيرانيون وأهل الصين.
أما الإغريق فقد تركزت على يدهم الأساليب الفنية الكلاسيكية؛ التي قامت على أسسها الفنون الغربية. وكذلك أمتد نفوذ الأساليب الفنية الصينية في ربوع آسيا، ولم ينج من تاثيرها فن في تلك القارة المترامية الأطراف بيما كانت إيران ملتق الفنون القديمة في الشرق الأدنى ونمت، فيها أساليب فنية، تاثرت بفنون بابل وأشور ومصر والهند وبلاد اليونان، وانتشرت في العصور القديمة والعصور الوسطى، وأثرت في فنون الأمم الأخرى.
وإذا استثنينا الفن الاغريقي القديم، فإنا لا نكاد نعرف أي فن آخر، قدر له أن يمد امتداد الفن الإيراني، بل إننا نستطيع أن تقول في ثقة واطمئنان إنه ليس هناك فن عظيم لم يأخذ عن الفن الإيرانى شيئا من زخارفه أو أساليبه؛ فإن الفن المصرى القديم، والفنون الاغريقية، والرومانية، والبيزنطية، والصينية، والهندية، كلها مدينة للفن الإيرانى ببعض أشكال التحف، أو أساليب العمارة والزخرفة، أو أسرار الصناعات الفنية الدقيقة.
والواقع أن هذه العظمة الفنية في إيران وليدة السيادة في ميادين الحرب والسياسة والمدنية، فقد كان الإيرانيون والإغريق يقتسمون الحكم في العالم القديم حينا من الزمان. ولما فكر الاسكندر الأكبر في تاسيس إمبراطورية تضم بلاد الشرق الأدنى تحت لواء الإغريق، اتجه نظره إلى إيران ليتخذها مركز هذه الامبراطورية؛ ولكنه مات قبل أن يظفر بتنفيذ مشروعه العظيم، بيد أن حروبه في الشرق الأدنى مهدت السبل لنشر الثقافة الاغريقية فيه؛ فأضحت إيران وأفغانستان حينا من الزمن ملتقى الأساليب الفنية الإيرانية والغريقية والهندية، بل كان أثر الثقافة الإغريقية غالبا في الأجزاء الإغريقية من الهضبة الإيرانية، وهى الأقاليم النى كان يحكهما الأمراء الاغربق الذين آلت إليهم إمبراطورية الاسكندر.
واستولت على مقاليد الحكم في إيران منذ سنة 224 ميلادية دولة بني ساسان، ووحد ملوكها الشعب الإيرانى، وقضوا السنين الطويلة في حروب ومناوشات مع الدولة البيزنطية في الغرب، والأقوام الرحل الذين كانوا يشنون الغارات على الحدود الإيرانية في الشرق أو الشمال. وبين الذين خلدتهم الآثار الفنية من الأباطرة الساسانيين شابور الأول، الذي هزم الامبرطور الروماني فاليريان عند مدينة الرها سنة 260 ميلادية، فخلد الإيرانيون هذا النصر في نقوشهم المحفورة في الصخر - ولا سميا في نقش رستم على مقربة من مدينة برسبوليس ومدينة إصطخر الحالية - ورسموا القيصر الرومائى راكعا أمام عاهلهم الجبار. كما خلدت الآثار الفنية اسم بهرام جور الذي سارت الركبان بحديث مهارته في الصيد فرسمه الفنانون الإيرانيون في مناظر الصيد المختلفة.
ولم تكن تلك الحروب الطويلة في العصر الساساني تمنع الشعب من العناية بالفنون الجميلة، بل كات من أهم عوامل الاتصال بين الشعبين العظيمين في ذلك الحين: الإيرانيين والإغريق، فزاد التبادل الفني رغم أنف الفريقين، وتسرب إلى فنون بيزنطة كثير من الموضوعات الزخرفية الإيرانية، ولم تلبث هذه الموضوعات أن اندمجت في الفنون البيزنطية اندماجا تاما، ثم نقلتها أقاليم البحر الأبيض المتوسط التي كانت تابعة لبيزنطة ذلك الحين. ويبدو ذلك واضحا في زخارف كثير من المنسوجات التي عثر عليها المنقبون في الآثار في مصر العليا، كما يظهر أيضا في كثير من الزخارف التي استخدمت في العصر القبطى، ولا سيما الرسوم المحفورة في الحجر والخشب.
على أن الحروب الطويلة بين بيزنطة وإيران، فضلا عن الحالة الاجتماعية والدينية فيهما، أنهكت قواهما، فأصبحتا في بداية القرن السابع الميلادى عاجزتين عن صد تيار الجيوش العربية التي جمعتها وحدة الإسلام؛ فسقطت إيران، وفقدت استقلالها السياسى، وأصبحت جزءا من الإمبراطورية الإسلامية التي أتيح للعرب تشييدها؛ كما فقدت بيزنطة مستعمراتها في الشرق الأدنى، ولم تنج بنفسها من جيوش المسلمين إلا بفضل البحر الذي كان يفصلها عنهم، والذي لم يكن العرب يحسنون ركوبه في فجر الإسلام.
وقد كان الفتح الإسلامي في إيران أعمق أثرا في تاريخها من فتح الاسكتدر؛ بل إنه أقالها من عثرتها؛ فإن زوال استقلالها السياسى لم يكن له النتيجة المنتظرة والمنطقية في اضمحلال مدنيتها وتاثر فنونها. وسبب ذلك أن العرب كانوا قوما مرت قلوبهم بالايمان وتحلوا بالشجاعة والاقدام، ولكنهم أدركوا بما فيهم من حكمة طبيعية موروثة أنهم في حاجة إلى معونة الإيرانيين في أنظمة الحكم والأساليب الفنية؛ فما كاد عصر بني أمية ينتهى بما حفل به من فتوحات وعصبية للعرب، حتى نقل العباسيون مقر الحكم إلى بغداد، فكان هذا إيذانا بانتصار إيران في ميدان الحياة الاجتماعية والفنية والعلمية؛ ولا غرو فقد قامت الدولة العباسية على أكتاف الإيرانيين في خراسان.
وسرعان ما أصبحت إيران في طليعة الأمم الإسلامية عناية بتشييد العمائر الفخمة وصناعة التحف النفيسة. ولم يكن عسيرا أن تنعقد لها الزعامة في الفنون الإسلامية؛ فإن الشعب الإيرانى فنان بالفطرة.
وقصارى القول أن تطور الفنون القديمة في الشرق الأدنى تم على يد الإيرانيين، فكان لهم بعد ذلك القسط الأجزل في الفنون الإسلامية. والواقع أن الترك نقلوا عنهم معظم أسالييهم الفنية، بينما العرب أنفسهم لم تكن لم تقاليد فنية عريقة. وقد عقد ابن خلدون في مقدمته فصلا «فى أن المبانى والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول» وذكر فيه أن السبب في ذاك بداوة العرب وبعده عن الصنائع، وأن الدين كان أول الأمر مانعا من المغالاة في البنيان والإسراف فيه في غير القصد «فلما بعد العهد بالدين والتحرّج في أمثال هذه المقاصد وغلبت طبيعة الملك والترف واستخدم العرب أمة الفرس وأخذوا عنهم الصنائع والمبانى ودعتهم إليها أحوال الدعة والترف فحينئذ شيدوا المبانى والمصائع».
ومما ساعد على ازدهار الطرز الفنية الإيرانية أن إيران، منذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) استعادت استقلالها السياسى والثقافى؛ فبعثت المدنية الإيرانية، ونمت وترعرعت في ربوعها الآداب والفنون.
فنون إيران في المشاريع الشقيقة: | |