عرض مصدر شهامة (خلق)

'''الشهامة''' <u>لغة</u>: مصدر شهم، وهذه المادة تدلُّ على الذكاء.
والشهم: '''الذكي الفؤاد المتوقد، الجلد'''، وقد شهم الرجل، بالضم، شهامة وشهومة إذا كان ذكيًّا، فهو شهم أي جلد.
وقيل: الشهم معناه في كلام العرب: '''الحمول، الجيد القيام بما يحمل'''، الذي لا تلقاه إلا حمولًا، طيب النفس بما حمل.<ref>([[معجم العين|كتاب العين]]) [[الخليل بن أحمد الفراهيدي|للخليل بن أحمد]] (3/405)، ([[مقاييس اللغة]]) ل[[ابن فارس]] (3/223)، ([[الزاهر في معاني كلمات الناس]]) ل[[محمد بن القاسم الأنباري|أبي بكر الأنباري]] (1/114)</ref>

والشهامة <u>اصطلاحًا</u>:
قيل هي: (الحرص على الأمور العظام؛ توقعًا للذكر الجميل عند الحقِّ والخلق.<ref>[[التوقيف على مهمات التعاريف]]  [[محمد عبد الرؤوف المناوي|للمناوي]] (ص5)</ref>
وقيل هي: (عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تستتبع الذكر الجميل).<ref>[[المعجم الوسيط]] (ص498)</ref>

== شواهد «الشهامة» من القرآن ==
* قال سبحانه وتعالى (في [[سورة النساء]]): '''{{قرآن|النساء|104}}'''{{سج}}قال [[سعدي (توضيح)|السعدي]]: (ذكر سبحانه ما يقوِّي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين؛ الأول: أن ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك فإنه يصيب أعداءكم، فليس من ال[[مروءة]] الإنسانية و'''الشـهامة''' الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك؛ لأن العادة الجارية لا يضعف إلا من توالت عليه الآلام، وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا من يدال مرة، ويدال عليه أخرى).<ref>[[تفسير السعدي|تيسير الكريم الرحمن]] [[سعدي (توضيح)|للسعدي]] (ص199)</ref>
* قال تعالى (في [[سورة القصص]]): '''{{قرآن|القصص|23|1}}'''.{{سج}}قال [[ابن عطية الأندلسي|ابن عطية]]: (استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب، أو مضطهد، أو من يشفق عليه، أو يأتي بمنكر من الأمر، فكأنه بالجملة في شر فأخبرتاه بخبرهما).<ref>([[المحرر الوجيز]]) (4/ 283)</ref>{{سج}}وقال [[محمد محمود حجازي|الحجازي]]: (فثار موسى، وتحركت فيه عوامل '''الشَّهامة''' والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال حتى شربت ماشيتهما).<ref>([[التفسير الواضح]]) [[محمد محمود حجازي|للحجازي]] (2/ 852)</ref>

==شواهد الشهامة من السنة النبوية==
*عن [[أنس بن مالك]] {{رضي الله عنه}} قال: {{اقتباس خاص|( '''كان رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقاهم النبي {{صلى الله عليه وسلم}} على فرس ل[[أبو طلحة الأنصاري|أبي طلحة]] عُرْيٍ*، وهو متقلِّد سيفه، فقال: لم تراعوا** ، لم تراعوا، ثم قال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: وجدته بحرًا***، يعني الفرس''' ).<ref>رواه [[مسلم]] (2307) و[[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] (3040) واللفظ له</ref>}}
(*)عُرْيٍ: أي لا سرج عليه ولا أداة. (**)لم تراعوا: كلمة تقال تأنسياً عند تسكين الروع وإظهارا للرفق بالمخاطب.(***)بحراً: أي واسع الجري.

قال [[القرطبي]]: (في هذا الحديث ما يدل على أن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} كان قد جمع له من جودة ركوب الخيل، و[[شجاعة|الشَّجَاعَة]]، و'''الشهامة'''، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية وأهوالها، ما لم يكن عند أحد من الناس، ولذلك قال أصحابه عنه: إنه كان أشجع الناس، وأجرأ الناس في حال الباس، ولذلك قالوا: إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب، وناهيك به؛ فإنه ما ولَّى قطُّ منهزمًا، ولا تحدث أحد عنه قط بفرار)<ref>([[المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم]]) (ص6/100)</ref>

*عن [[عبد الله بن مسعود]] {{رضي الله عنه}} قال: {{اقتباس خاص|('''إنَّ النبي {{صلى الله عليه وسلم}} لما رأى من الناس إدبارًا، قال: اللهم سبع كسبع يوسف* ، فأخذتهم سنة حَصَّتْ** كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف*** ، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع، فأتاه [[أبو سفيان بن حرب|أبو سفيان]]، فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإنَّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم''')).<ref>رواه [[مسلم]] (1007) و[[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] (2798) واللفظ له</ref>}}

(*)كسبع يوسف: أي كالسنوات السبع الشداد التي كانت في زمن يوسف، (**)حَصَّت: استأصلت، (***)الجِيَف: جمع جيفة، أي الميتة التي أنتنت.

قال [[ابن حجر (توضيح)|ابن حجر]]: (قوله: فقيل: يا رسول الله استسق الله لمُضَر؛ فإنها قد هلكت. إنَّما قال لمضر؛ لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم، فحسن أن يطلب الدعاء لهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش؛ لئلا يذكرهم فيذكِّر بجرمهم، فقال: لمضر؛ ليندرجوا فيهم، ويشير أيضًا إلى أنَّ غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم، وقد وقع في الرواية الأخيرة: وإن قومك هلكوا. ولا منافاة بينهما؛ لأنَّ مُضر أيضًا قومه وقد تقدم في المناقب أنه {{صلى الله عليه وسلم}} كان من مضر، قوله فقال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} لمضر: إنك لجريء، أي: أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك به؟!).<ref>([[فتح الباري]]) (8/571)</ref>

فالنبي {{صلى الله عليه وسلم}} رغم عداوة قريش وإيذائها للمؤمنين، لما جاءه أبو سفيان يطلب منه الاستسقاء لم يرفض لحسن خلقه، وشهامته، ورغبته في هدايتهم، فإنَّ الشهامة ومكارم الأخلاق مع الأعداء، لها أثر كبير في ذهاب العداوة، أو تخفيفها.

==نماذج من الشهامة==
===المصطفى {{ صلى الله عليه وسلم}}===
-عن [[أبو إسحاق السبيعي|أبي إسحاق]] قال سأل رجل [[البراء بن عازب|البراء]] {{رضي الله عنه}}، فقال يا أبا عمارة أَوَلَّيتم يوم حنين؟ قال [[البراء بن عازب|البراء]] وأنا أسمع ((أما رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} لم يُوَلِّ يومئذ وكان [[أبو سفيان بن الحارث]] آخذًا بعنان بَغْلَتِهُ، فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)) <ref>رواه البخاري (3042)</ref>

===الصحابة {{رضي الله عنهم}} ===
* وعن مولى [[عمر بن الخطاب]] {{رضي الله عنه}} قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب {{رضي الله عنه}} إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارًا والله ما ينضجون كراعًا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا بنت [[خفاف بن إيماء الغفاري]] وقد شهد أبي [[صلح الحديبية|الحديبية]] مع النبي {{صلى الله عليه وسلم}}. فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير.. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها قال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه).<ref>رواه البخاري (4160)</ref>
*وفي حادثة تبين لنا شهامة [[عثمان بن طلحة]] {{رضي الله عنه}}، تقول [[أم سلمة|أمُّ سلمة]] {{رضي الله عنها}} وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة ففرَّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كلَّ غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت: فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: وردَّ بنو عبد الأسد إليَّ عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحد من خلق الله، قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت [[عثمان بن طلحة]] بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أو ما معك أحد؟ قلت: لا والله إلا الله وابني هذا، قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحطَّ عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني [[عمرو بن عوف]] بقباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلًا - فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة، قال: وكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب أبو سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة)).<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|سيرة ابن هشام]](ص469\1)</ref>
*عن [[عبد الرحمن بن عوف]] قال: (إنِّي لفي الصف يوم [[غزوة بدر|بدر]]، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه: يا عم أرني [[أبو جهل|أبا جهل]]. فقلت: يا ابن أخي، وما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه. فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء).<ref>رواه [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] (3988)</ref>

قال [[ابن حجر (توضيح)|ابن حجر]]: (قوله «الصقرين».. شبههما به لما اشتهر عنه من الشَّجَاعَة، و'''الشهامة'''، والإقدام على الصيد، ولأنه إذا تشبث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه).<ref>([[فتح الباري|فتح الباري شرح صحيح البخاري]]) (7/308)</ref>

==أقوال العلماء عن الشهامة==

*قال [[الراغب الأصفهاني]]:{{اقتباس خاص|('''''{{خط/عربي|الصبر يزيل الجزع، ويورث الشهامة المختصة بالرجولية}}'''''.<ref>[[الذريعة إلى مكارم الشريعة]]  [[الراغب الأصفهاني|للراغب الأصفهاني]] (ص151)</ref>)}}
*وقيل: (من سجايا الإسلام التحلي [[علو الهمة|بكبر الهمة]]، مركز السالب والموجب في شخصك، الرقيب على جوارحك، كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيرًا غير مجذوذ؛ لترقى إلى درجات الكمال، فيجري في عروقك '''دم الشهامة'''، والركض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفًا إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطًا يديك إلا لمهمات الأمور).<ref>[[(حلية طالب العلم]]) ل[[بكر بن عبد الله أبو زيد|بكر أبو زيد]] (ص173)</ref>
*قال [[ابن قيم الجوزية|ابن القيم]]: (حُرِّم -الذَّهَب- لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتَّخَنُّث، وضد '''الشهامة''' والرجولة).<ref>(زاد المعاد) (4/73)</ref>
*إنَّ [[خذلان]] المسلم لأخيه المسلم أمر تنكره الشريعة، وإن من حق المسلم على المسلم أن لا يخذله، (وهو إن حدث ذريعة لخذلان المسلمين جميعًا حيث تنتشر عدوى ال[[أنانية]] وحب الذات، و[[إيثار]] الراحة والمصلحة الخاصة على مشاركة الغير آلامهم وآمالهم، فيكثر التَّنصل من المسؤولية بين المسلمين، حتى يقضي عليهم أعداؤهم واحدًا تلو الآخر، فتموت فيهم خلال الآباء، والشهامة، ونجدة الملهوف، وإغاثة المنكوب، وسوف يجنح المظلوم والضعيف إلى الأعداء طوعًا أو كرهًا، لما يقع به من ضيم وما يصيبه من خذلان من إخوانه ثم ينزوي بعيدًا عنهم، وتنقطع عرى الأخوة بينه وبين من خذلوه وأسلموه للأعداء)<ref>([[الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية]]) ل[[محماس الجلعود]] (2/937)</ref>

==أقوال الشعراء في الشهامة==
قال الشاعر:

{{بداية قصيدة}}

{{بيت|جميعُ الكتبِ يدركُ مَن قراها|فتورٌ أو كلالٌ أو سآمهْ}}      
{{بيت|سوى القرآنِ فافهمْ واستمعْ لي|وقول المصطفى يا ذا الشهامه}}.<ref>[[موارد الظمآن لدروس الزمان]] ل[[عبد العزيز السلمان]] (ص474\1)</ref>

{{نهاية قصيدة}}

وقال الشاعر:

{{أبيات|
شـهمُ الفؤادِ ذكاؤُه ما مثلُه\\عندَ العزيمةِ في الأنامِ ذكاءُ}}

==المراجع==

{{مراجع|2}}

{{الأخلاق في الإسلام}}

{{شريط بوابات|أخلاقيات|إسلام}}

[[تصنيف:أخلاق إسلامية]]
[[تصنيف:أخلاقيات اجتماعية]]
[[تصنيف:صفحات بها قالب بداية قصيدة يتعذر استبداله آليا]]