عرض مصدر تحرير قصر الباهلي

{{معلومات نزاع عسكري
| صورة = Transoxiana 8th century - ar.svg
| مكان = موقع غير معروف،{{sfn|كينيدي|2007|p=278}} بالقرب من [[سمرقند]] (حديثا [[أوزبكستان]] أو [[طاجيكستان]])
| تعليق = خريطة لِبلاد ما وراء النهر وأبرز مُدُنها وقصباتها خِلال القرن الثامن الميلادي
| image_size = 250px
| اسم_النزاع = تحرير قصر الباهلي
| مقاتل1 = [[الدولة الأموية]]
| مقاتل2 = [[خانات]] [[تورجش]]
| قائد1 = المسيب بن بشر الرياحي
| قائد2 = كورصول
| وضع = انتصار العرب؛ في عملية إخلاء ناجحة لقصر الباهلي
| جزء_من = [[الفتح الإسلامي لما وراء النهر]]
| قوة1 = حوالي 100 عائلة متحصنة داخل القصر، قوة مؤلفة من {{حوالي|1,000}} رجل وصلو للتعزيز
| قوة2 = غير معروف
}}
{{صندوق حملة الفتح الإسلامي لما وراء النهر}}
'''تحرير قصر الباهلي''' حَدثَ أنّ خَاقانَ الملك الأعظم مَلك التُّرك بَعَثَ جيشًا إلى الصَغَد لقِتال المُسلمين{{sfn|بن خلدون|2000|p=101}}، عَليهِم رجل مِنهم يقال له: كورصول، فأقبل حتى نزل على قصرِ الباهِليِ فَحَصَرَهُ وفِيهِ خَلقٌ مِن [[مسلم|المُسلِمِين]]،{{sfn|بن خلدون|2000|p=101}}{{ملا|وقال بعضهم أراد عظيم من عظماء الدهاقين أن يتزوج امرأة من باهلة وكانت في ذلك القصر فأرسل إليها يخطبها فأبت فاستجاش ورجا أن يسبوا من في القصر فيأخذ المرأة.}} فَصَالحَهُم نَائب [[سمرقند|سَمَرْقَنْد]] - وهو عُثْمانُ بنُ عَبدِ الله بنُ مطرف - على أربعينَ ألفًا،{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}} وَدَفع إليهم سَبعةَ عَشَرَ دِهْقَانًا (من أكابر القوم) رَهَائِن عِندَهُم، ثُمّ نَدَب عُثمان النَّاسَ، فانْتَدَبَ رَجُلٌ يَقَالُ لهُ: المسيب بن بشر الرياحي{{sfn|شحادة|2000|p=457}}{{sfn|الكبي|1994|p=127}} في أربعة آلاف،{{sfn|شحادة|2000|p=457}} فساروا نحو [[ترك|الترك]]، فلمّا كان في بعض الطريق خَطبهم فَحثّهم على القٍِتال وأخبرهم أنّه ذاهبٌ إلى الأعداء لطلب [[الشهادة (إستشهاد)|الشهادة]]،{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}} فرَجَعَ عَنهُ أكثرَ مِن ألفٍ، ثُمّ لم يَزَل في كُل مَنزلٍ يَخْطُبهم ويَرجِع عَنهٌ بَعضهم، حتّى بقي في سبعمائة مقاتلٍ،{{sfn|الكبي|1994|p=127}} فسار بهم حتى غالق جيشُ الأتراكِ، وهم مُحاصروا ذلك القصر، وقد عَزَم [[مسلم|المسلمون]] الذين هُم فيهِ على قَتلِ نِسائهم وذَبحِ أَولادهِم أَمَامَهم، ثم ينزلون فيقاتلون، حتى يقتلوا عن آخرهم، فبعث إليهم المسيب يُثَبّتهُم يُومَهم ذلك، فَثبتوا ومَكَثَ المسيبُ حتّى إذا كان وقت السّحر فكبّر وكبّر أصحابه، وقد جعلوا شعارهم يا [[محمد|محمّد]]،{{sfn|بن خلدون|2000|p=102}} ثم حملوا على التّرك حملةً صادقةً، فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وعَقروا دَوابَ كثيرة،{{sfn|بن خلدون|2000|p=102}}{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}} ونهض إليهم [[ترك|الترك]] فقاتلوهم قتالًا شديدًا، حتّى فرَّ أكثر [[مسلم|المسلمين]]،{{sfn|الطبري|p=93}} وضُربَت دابّة المسيب في عجزها فترجّل وترجّل معه الشُّجعان، فقاتلوا وهم كذلك قتالًا عظيمًا،{{sfn|بن خلدون|2000|p=102}}{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}} والتفّ الجّماعة بالمسيب، وصبروا حتى فتح الله عليهم، وفرَّ المشركون بين أيديهم هاربين لا يلوونَ على شيء، وقد كان الأتراك في غاية الكثرة، فَنَادى مُناديْ المسيب: أنْ لا تَتْبَعُوا أحدًا، وعَلَيكُمْ بالقَصرِ وَأَهْلِه،{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}} فاحتملوهم{{sfn|بن خلدون|2000|p=102}}، وحَازُوا ما في مُعَسْكر أولئك الأتراك من الأمْوَالِ والأشياءِ النفيسة، وانصرفوا راجِعين سَالمين بِمن مَعهم من المُسلمين الذين كانوا محصورين،{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}} وجَاءت التُّرك من الغَدِ فَلم يَجدوا به داعيًا ولا مجيبًا، فَقَالوا في أنفُسهم: هَؤلاءِ الذينَ لَقَونَا بِالأَمْسِ{{sfn|بن خلدون|2000|p=102}} لمْ يَكونوا إِنسًا، إِنّمَا كانوا جِنَّا.{{sfn|الطبري|p=93}}{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}}

== خلفية تاريخية ==
[[ملف:Age of Caliphs-ar.png|تصغير|280x280بك|خارطة تُظهر تُوسُّع حركة الفُتوحات الإسلاميَّة مُنذ عصر الرسول [[محمد|مُحمَّد]] وحتَّى [[الدولة الأموية|العصر الأُموي]].]]
لم تأخذ فُتُوحات المُسلمين [[بلاد ما وراء النهر|لمنطقة مَا وَرَاءَ النَّهرِ]] مظهرها الجدِّيّ إلَّا عندما ولَّى [[الحجاج بن يوسف الثقفي|الحجَّاج]] في أواخر عهد [[الوليد بن عبد الملك|الوليد بن عبد الملك بن مروان]]، القائد العسكري [[قتيبة بن مسلم الباهلي|قُتيبة بن مُسلم الباهلي]] ولاية [[خراسان الكبرى|خُراسان]] في سنة [[86 هـ|86هـ]] المُوافقة لِسنة [[705|705م]].{{sfn|الجزري|p=93}}{{sfn|الجزري|pp=83-84}}{{sfn|الجزري|pp=97-96}} ففي خلال عَشر سِنينَ (86-96هـ) فتح فيها [[قتيبة بن مسلم الباهلي|قُتيبة بن مُسلم]] أقاليم شاسعةً وقد هدى الله {{عز وجل}} على يديه خلقًا لا يحصهم إلا الله، فأسلموا ودانو لله {{عز وجل}}، وثبَّت أقدام [[مسلم|المُسلمين]] و[[الإسلام]] فيها.{{sfn|عبد اللطيف|2008|pp=295-300}}

وكَان مِن حُسن حَظّ [[قتيبة بن مسلم الباهلي|قُتيبة]] أن ولايته على خراسان واضطلاعه بقيادة الفتوحات في [[بلاد ما وراء النهر]]-أواخر خلافة [[عبد الملك بن مروان]]- جاءت في وقت كانت [[الدولة الأموية]] قد تغلبت على جميع مناوئيها واستقرت أمورها، واستردت عافيتها وقوتها، فاجتمعت لقتيبة شجاعة القائد وإقدامه، وعزم الوالي وتصميمه، وقوة الدولة واستقرارها، فكانت أعماله الرائعة فيما [[بلاد ما وراء النهر|وراء النهر]].

ومع ذلك، ظلت ولاءات [[شعوب إيرانية|الشُّعوب الإيراينية]] و[[ترك|الأتراكية]] في [[بلاد ما وراء النهر]] بالإضافة إلى حُكَّامِهمُ مَوضِعَ شكّ، ففي عام 719م، أَرسل أُمَرَاءُ [[بلاد ما وراء النهر|بلاد ما ورَاء النهر]] رسالةً إلى [[سلالة تانغ الحاكمة|أسرة تانغ]] الصينية وأتباعم [[تورجش|التورجش]] لمؤازرتهم بقواتٍ ضدّ حُكّام وقادة [[الدولة الأموية|الدّولة الأُموية]] آنذاك.{{sfn|بلانكشيب|1994|pp=109-110}}{{sfn|جيب|1923|p=60}} وفي سنة [[100 هـ|100هـ]] عَزَلَ الخليفة [[عمر بن عبد العزيز]] [[الجراح الحكمي|الجراح بن عبد الله الحكمي]] عن خراسان عندما بلغ عنه الشدة وذلك أن الجراح كتب إلى أمير المؤمنين [[عمر بن عبد العزيز]]:

(( إنّي قَدِمت خُراسَان، فَوَجَدّتُ قَومًا قَد أَبْطَرَتهُم الفِتْنَةُ، فَهُم مُنْبثُون فِيها، وأَحَبُّ الأُمُورِ إليهم أَنْ تَعُودَ الفِتْنَةُ لِيَمنَعُوا حَقَّ الله عَلِيهِم، فَلَيسَ يَكْفِـهِمْ إلّا السَّيفُ والسُّوط، وكَرْهب الإقدام على ذلك إلا بإذنك )).{{sfn|الجزري|p=321}}

فكتب اليه [[عمر بن عبد العزيز]]:

(( يا ابن أم الجراح أنت أحْرَصُ على الفتنة منهم، لا تَضربنّ مُؤمناَ ولا مُعاهداَ سَوطاَ إلّا في حَقّ، واحذر القَصَاصْ، فَإنّكَ صَائِرٌ إلىْ مَنْ يَعْلَمُ خَائِنَـةَ الأَعْيُن ومَا تَخْفَى الصُّدُور)).{{sfn|الخطيب|1988|p=204}}{{sfn|الجزري|p=320}}

وَوَلّاها عَبد الرّحمن بن نَعيم القشيري فَكَأنت وِلاية الجَّراح بِخُراسان سَنةً وخمسةَ أشهرٍ قَدِمَهَا سَنة 99هـ وخَرَجَ مِنْهَا لأيام بَقِيَت مِن شَهرِ رَمَضان سَنة 100هـ،{{sfn|الجزري|p=320}} وكانَ سَببُ ذلك فيما ذكر عَلي بنُ مُحمد عَن كُليب بن خَلف عَن إدريسْ بن حَنْظلة والمُفضَّل عَن جدّه وَعَلي بن مُجاهد عَن خَالد بن عَبد العَزيز أن يَزيد بنُ المهلب ولى جَهم بن زحر جرجان حِين شَخَصَ عَنْها فلمّا كانَ من أمْرِ يزيدَ ما كان، وجَّه عامِلُ العِراق من العِراق واليًا على جرجان فَقدم الوالي عليها من العِراق فَأَخَذَه جَهم فَقيّدهُ وَقَيّد رَهطًا قَدَموا مَعه ثُمّ خَرجَ في خمسينَ مِن اليَمن يُريدُ الجراح بِخُراسان فَأَطلقَ أهلُ جرجان عَامِلهم فَقَال الجراح لجَهم لولا أنَّك ابن عمي لمْ أُسَوّغكَ هَذا فَقَال له جَهم ولولا أنّك ابن عمي لمْا أمِنْتُك فقال له الجراح خَالَفتَ إمَامَك وَخَرَجتْ{{sfn|الجزري|p=320}}

سَاءَتِ الأَوضاع في عَهدِ عَبد الرّحمن بن نَعيم القشيري، وكذلك في عهد سَلَفِهِ سَعيد بنُ عَبد العَزيز بنُ الحَارِث بنُ الحَكَم بن أبي العَاص وهوَ الذي يُقال له سَعيد خُذينة{{sfn|الطبري|2018|p=350}}{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1998|p=729}} الذي استعمل بدوره شعبة بن ظهير النهشلي لِيَنُوبَ عَنهٌ في [[سمرقند]]، وفي سنة 102هـ غزت المسلمين السُّغدُ والتٌّرك فكانت بينهم وَقعةٌ بِقصر الباهلي.{{sfn|الطبري|2011|p=91}}

== حصار وتحرير القصر الباهلي ==
كان لضعف الإدارة العربية، والتماسات أمراء بلاد ما وراء النهر التي أرسلوها إلى [[سلالة تانغ الحاكمة|أسرة تانغ]]، دفعت بحاكم [[تورجش|التورجش]]، الخاقان {{وإو|سولوق|Suluk (Türgesh khagan)}}، إلى شن هجومٍ مفاجئٍ على حين غرة،{{sfn|الطبري|2011|p=92}} بقيادة {{وإو|كورصول|Kül-chor}} حيث تمكن [[تورجش|التورجش]] من محاصرة قصر الباهلي، وفيه مائة أهل بيت بذراريهم{{sfn|الطبري|2011|p=92}} وخشية تأخر وصول التعزيزات من [[سمرقند]]، دفعوا هبةً قدرها أربعينَ ألفًا، وأعطوهم سبعة عشر رجلا رهينة.{{sfn|الطبري|2011|p=92}}{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}} وعندما وَصل خَبر هذا الحِصار إلى والي [[سمرقند]] عُثمان بنُ عبد الله بنُ مطرب نَدَبَ إلى النّاس، فانتدب المسيب بن بشر الرياحي وانتدب مَعهُ أربعةَ آلافٍ مِن جميع القبائل،{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}}{{sfn|الطبري|2011|p=92}} فقال شعبة بن ظهير: لو كان ها هنا خيول خراسان ما وصلوا إلى غايتهم.{{sfn|الطبري|2011|p=92}}

ولمَّا عسكروا قال المسيب بن بشر: إنكم تُقدمون على حلبة التُّرك، حَلَبة خَاقان وغيرهم، والعَوَضُ إنْ صَبَرُتم الجَّنة، والعِقاب النّار إنْ فررتم، فمن أرادَ الغَزوَ والصَّبر فَليُقْدِم.{{sfn|الطبري|2011|p=92}} فانصرف عَنه ألفٌ وثَلاثمائة، وسَاَر في البَاقين، فلمّا سَار فَرسَخًا قالَ للنّاس مِثلُ مَقَالَتِه الأولى، فاعتزل ألف، ثُمّ سَار فرسخًا آخر فَقال لهم مثل ذلك، فاعتزل ألف،{{sfn|الطبري|2011|p=92}} ثُمّ سَار - وكان دليلهم الأشهب بن عبيد الحنظلي- حتى إذا كانَ على فَرْسَخين من القوم نَزَلَ فأتاهم [[ترك|تُرك]] [[خاقان]] ملك قِيّ فَقَال: إنه لم يبق ها هنا دِهْقَان إلا وقد بايع [[ترك|الترك]] غَيري، وأنا في ثلاثمائة مُقاتل فَهُم مَعك،{{sfn|الطبري|2011|p=92}} وعِنديَ الخَبَرُ، قَد كَانوا صَالحوهم على أربعين ألفًا، فَأَعطُوهم سَبعَة عَشرَ رَجلًا ليكونوا رَهنًا في أيديهم حَتّى يَأخذوا صُلحَهُم، فلمّا بَلَغَهُم سَيرُكُم إليهم قَتَلَ التُّرك مَن كَانَ في أيديهم من الرهائن.{{sfn|الطبري|2011|p=92}}

وقال أن فيهم نَهْشَل بن يزيد الباهلي فنجا لم يقتل، والأشهب بنُ عبيد الله الحَنظلي، ومِيعَادهم أنْ يُقاتِلوهُم غدًا أو يَفتحوا القصر، فَبَعَثَ المُسيب رَجُلين: رجلًا من العَربِ ورجلًا من العَجَم من لَيْلَتِه عَلى خُيُولِهم، وَقَال لَهُم: إذا قَرِبتُم فَشُدُّوا دَوَابَكَم بالشَّجر، وأعْلِموا عَلَمَ القَومِ. فَأَقبلا في لَيلَةٍ مُظلمَةٍ وَقَد أَجْرَت [[ترك|الترك]] المَاَء في نَوَاحي القَصْر، فَلَيسَ يَصِلُ إليهِ أَحَد، وَدَنُوا مِنَ القَصْرِ فَصَاحَ بِهُم الرَبِيّة فَقَالا: لا تَصِحْ وادْعُ لنَا عَبد الملك بن دَثَّار، فَدَعاهُ فَقَالا لهُ: أَرْسَلَنا المسيب وقد أتَاكُم الغياث، قَالَ أينَ هُو؟ قالَ عَلى فَرْسَخين فَهَل عِنْدَكُم امتناعُ ليلتكِ وغَدًا؟ فَقَال قَدْ أجْمَعْنَا على تَسْلِيمِ نِسائِنا وَتَقدِيمِهِم للمَوتِ أمَامَنا،{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}}{{sfn|الطبري|2011|p=93}} حَتّى نَموتَ جَميعًا غدًا. فَرَجَعَا إلى المسيب فَأخْبَراه فَقَال المسيب للذين مَعَهُ إنِّي سَائرٌ إلى هَذا العدوّ، فَمَن أحبَّ أنْ يَذْهَب فَليَذهَب، فَلَم يُفَارِقَه أحدٌ وبَايَعُوه على المَوْت.{{sfn|الطبري|2011|p=93}}

سَارَ المسيب وَقَد زَادَ المَاءُ الذي أَجْرُوه حَول المَدينة تَحْصِينًا، فَلَمّا كَان بَينَه وبَينَهُم نِصفُ فَرسخٍ نَزَلَ فأجمعَ على بَيَاتِهم، فَلمَّا أمْسَى أَمَرَ النَاسَ فَشَدُّوا عَلى خُيولِهم وَرَكبَ فَحَثَّهم عَلى الصَّبر وَرَغَّبَهُم فِيمَا يَصِيرُ إليهِ أهلُ الاحْتسابِ والصَّبرِ وَمَا لَهُم في الدُّنيا مِن الشَّرف والغَنيمةِ إنْ ظَفَرُوا وقَال لَهُم اكعِمُوا دَوابَكم وَقُودُوها فإذا دَنَوتُم مِنَ القَومِ فارْكَبُوها وَشُدُّوا شَدَّة صَادِقة وَكَبّرُوا وَليَكُن شِعَارُكم يا [[محمد|مُحمّد]] {{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}}{{sfn|الطبري|2011|p=93}}ولا تَتْبَعُوا مُوليًا وَعَليكُم بالدَوَابِ فَاعْقُرُوها فَإنّ الدَوابَ إذا عُقِرَت كانتَ أشدَّ علَيهِم مِنْكُم وَالقَليلُ الصَّابرُ خَيرٌ مِنَ الكَثِيرِ الفِشِل وَليسَت بِكم قِلَّةٌ فإنَّ سَبعمائة سَيفٍ لا يُضْربُ بها في عَسْكِرٍ إلا أَوهَنُوهُ وإنْ كَثُرَ أَهلُه.{{sfn|الطبري|2011|p=93}}

وَقَد جَعَل المسيب عَلى المَيْمَنةِ كَثير بنُ الدُبوسيّ وَعَلى المَيْسَرةِ رَجلًا من رَبِيعَة يُقَالُ لهُ ثَابت قُطْنَة وَسَارُوا حَتّى إذا كَانُوا عَلى غلوتين كَبَّروا وَذَلكَ في السَّحر وَثَارَ [[ترك|التُّرك]] وَخَالطَ المُسْلِمُونَ العَسْكَر فَعَقَرُوا الدَّوَابَ وَصَابَرَهُم التُّرك فَجَالَ المُسْلِمُونَ وانْهَزَمُوا{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}} حَتَّى صَارُوا إلى المسيب وَتَبِعَهُم [[ترك|التُّرك]] وَضَرَبُوا عَجُزَ دَابَّة المسيب فَتَرَجَّل رِجَالٌ منَ المُسلمينَ فِيهِم البُخْتُريّ أبو عَبد الله المرائي وَمُحَمد بنُ قَيس الغَنوي وَيُقال مُحمد بنُ قَيس العَنْبَري وزِيَاد الأصبَهَانيّ ومُعَاوية بن الحَجَّاج وثَابت قُطْنة. فَقَاتَل البُخْتُري فَقُطِعَت يَمِينُه فَأَخَذَ السَّيفَ بِشِمَالِه فَقُطِعَت فَجَعَلَ يَذبّ بِيَدَيهِ حَتّى استُشهِد واستُشهِد أيضًا مُحَمد بنُ قَيس العَنبري أو الغنوي وشَبيب بنُ الحَجَّاج الطائيّ.{{sfn|الطبري|2011|p=93}}

ثمَّ انهزَمَ المُشرِكُونَ وَضَرَبَ ثَابت قُطْنَة عَظِيمًا مِنْ عُظَمُائِهِم فَقَتَلَهُ وَنَادَى مُنَادِي المسيب أن لا تَتْبَعُوهُم فَإنَّهُم لا يَدْرُونَ منَ الرُّعْبِ أَتَّبَعتُوهُم أمْ لا واقْصِدُوا القَصْرَ ولا تَحْمِلُوا شيئًا مِنَ المَتَاعِ إلا المَّال وَلا تَحْمِلُوا مَنْ يَقْدِرُ على المَشي.{{sfn|الطبري|2011|p=93}} وَقَالَ المسيب مَنْ حَمَل امرأة أو صَبِيًا أو ضَعيفًا حِسْبَة فَأَجرُهُ على الله وَمَنْ أبى فَلَهُ أربعونَ دِرْهِمًا وَإنْ كَانَ في القَصْرِ أحدٌ مِنْ أهلِ عَهْدِكُم فاحْمِلُوه.{{sfn|الطبري|2011|p=93}} فَقَصَدوا جَميعًا القَصْرَ فَحَمَلُوا مَنْ كَانَ فيهِ وانتهى رَجُلُ مِن بَني فَقيم إلى امرأه فَقَالَت أغثني أغاثك الله فَوَقَف وَقَال دُونَك وعجز الفرس فَوَثَبت فإذا هيَ عَلى عجز الفَرَس، فإذا هِي أفرَسُ منْ رَجُلٍ فَتَنَاول الفقيمي بِيَد ابنِها وَكَانَ غُلامًا صغيرًا فَوَضَعَه بَينَ يَدِيهِ وَأَتَوا [[ترك|تُرك]] خَاقَان فأنزلهم قصره وأتاهم بِطَعامٍ وَقَالَ الحقوا [[سمرقند|بسمرقند]] لا يَرْجِعُوا في آثارِكُم فَخَرَجُوا نَحوَ [[سمرقند|سَمرقند]] فَقَالَ لَهُم هَلْ بَقِيَ أحدٌ قَالوا هِلال الحَريري قَالَ لا أسْلَمُه فَأتَاه وبِه بِضعٌ وَثَلاثونَ جِراحَة فاحتَمَلَه فَبَرَأ.

وَجَاءَت [[ترك|التُّرك]] مِنَ الغَدِ إلى القَصْرِ فَلَم يَجِدُوا بِهِ دَاعيًا ولا مُجيبًا فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهم هَؤُلاءِ الذينَ أَتُونَا بالأمْسِ لمْ يَكُونُوا إنسًا إنَّمَا كانُوا جِنَّا{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}}{{sfn|الطبري|2011|p=93}} ثُم إن سَعيدًا المُلقَّب خُذينَةَ غَزَا بِلادَ الصَغد وَذَلك لأَنَّهُم أَعَانُوا التُّرْكَ عَلى المُسْلِمِينَ في هَذِه المَعْرَكة فَقَاتَلَهُم قِتَالا شَديدًا حَتَّى نَصَرَهُ الله عَلَيْهِم وَوَلُّوا مُدْبِرِينْ وَأَخَذَ مِنْهُم أموالًا جَزِيلَةً وَقَبَضَ مَا وَجَدَ لَهُم مِنَ الأمْوَالِ والحَواصِل.{{sfn|ابن كثير الدمشقي|1964|p=235}}

== هوامش ==
{{ملاحظات|group= arabic-abajed}}

{{ملاحظات|group= lower-alpha}}
== مراجع ==
{{مراجع|em32}}
== مصادر ==
{{بداية المراجع|35em}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=شحادة|الأول=خليل|عنوان=ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر-الفهارس|لغة=العربية|صحيفة=دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع|المجلد=8|سنة=2000|مسار= https://books.google.ae/books?id=W9wvCwAAQBAJ|تاريخ=|مكان=بيروت|تاريخ الوصول=24-3-2020|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324205717/https://books.google.ae/books?id=W9wvCwAAQBAJ|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=الكبي|الأول=زهير|عنوان=موشوعة خلفاء المسلمين|لغة=العربية|صحيفة=دار الفكر العربي|المجلد=|سنة=1994|مسار= https://books.google.ae/books?id=qy0-CwAAQBAJ|تاريخ=|مكان=بيروت|تاريخ الوصول=24-3-2020|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324175740/https://books.google.ae/books?id=qy0-CwAAQBAJ|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=بن خلدون|الأول=عبد الرحمن|عنوان=ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر|لغة=العربية|صحيفة=دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع|المجلد=3|سنة=2000|مسار= https://books.google.ae/books?id=HOV3nAJEpNkC|تاريخ=|مكان=بيروت|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=ابن خلدون|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324175741/https://books.google.ae/books?id=HOV3nAJEpNkC|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=ابن كثير الدمشقي|الأول=أبي الفداء الحافظ|عنوان=البداية والنهاية|لغة=العربية|صحيفة=دار الكتب العلمية|المجلد=5|مسار= https://books.google.ae/books?id=hsR9DwAAQBAJ|تاريخ=1964|مكان=بيروت|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=ابن كثير الدمشقي|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324175742/https://books.google.ae/books?id=hsR9DwAAQBAJ|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=ابن كثير الدمشقي|الأول=أبي الفداء الحافظ|عنوان=البداية والنهاية|لغة=العربية|صحيفة=هجر للطباعة والنشر والإعلان|المجلد=12|مسار= https://books.google.ae/books?id=qt4rCwAAQBAJ|تاريخ=1998|مكان=جيزة|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=ابن كثير الدمشقي|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324205718/https://books.google.ae/books?id=qt4rCwAAQBAJ|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=الطبري|الأول=محمد بن جرير|عنوان=تاريخ الطبري-تاريخ الأمم والملوك|لغة=العربية|صحيفة=دار الكتب العلمية|المجلد=4|مسار= https://books.google.ae/books?id=48dwDwAAQBAJ|تاريخ=2011|مكان=بيروت|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=محمد بن جرير الطبري|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324205719/https://books.google.ae/books?id=48dwDwAAQBAJ|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=الطبري|الأول=محمد بن جرير|عنوان=تاريخ الطبري-تاريخ الأمم والملوك|لغة=العربية|المجلد=5|مسار= https://books.google.ae/books?id=obZ-DwAAQBAJ|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=محمد بن جرير الطبري|صحيفة=|مكان=|تاريخ=2018|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324175746/https://books.google.ae/books?id=obZ-DwAAQBAJ|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=الجزري|الأول=ابن الأثير|عنوان=الكامل في التاريخ|لغة=العربية|صحيفة=دار الكتاب العربي|مسار= https://www.goodreads.com/book/show/8436605|تاريخ=|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=ابن الأثير الجزري|مكان=|المجلد=4|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20170711163715/http://www.goodreads.com:80/book/show/8436605|تاريخ أرشيف=2017-07-11}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=عبد الشافي محمد|عنوان=العالم الإسلامي في العصر الأموي|لغة=العربية|صحيفة=العالم الإسلامي في العصر الأموي|مسار= https://www.goodreads.com/book/show/8436605|تاريخ=2008|تاريخ الوصول=24-3-2020|مكان=|ISBN=9773425878|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20170711163715/http://www.goodreads.com:80/book/show/8436605|تاريخ أرشيف=2017-07-11}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=الخطيب|الأول=محب الدين|عنوان=مع الرعيل الأول|لغة=العربية|صحيفة=دار الكتب العلمية|مسار= https://www.goodreads.com/book/show/6366141|تاريخ=1988|تاريخ الوصول=24-3-2020|مكان=|ISBN=9782745114112|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20130901141825/http://www.goodreads.com:80/book/show/6366141|تاريخ أرشيف=2013-09-01}}
{{نهاية المراجع}}
== المصادر الأجنبية ==
{{بداية المراجع|35em}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=كينيدي|الأول=هوغ ن|عنوان=الفتوحات العربية العظيمة: كيف غير انتشار الإسلام العالم الذي نعيش فيه|لغة=الإنكليزية|صحيفة=دا كابو|مسار= https://books.google.ae/books?id=KBQOAQAAMAAJ|تاريخ=|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=|سنة=2007|ISBN=0306815850|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324175747/https://books.google.ae/books?id=KBQOAQAAMAAJ|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=بلانكينشيب|الأول=خالد يحيى|عنوان=نهاية دولة الجهاد: عهد هشام بن عبد الملك وانهيار الدولة الأموية|لغة=الإنكليزية|صحيفة=مطبعة جامعة ولاية نيويورك|مسار= https://books.google.ae/books?id=KBQOAQAAMAAJ|تاريخ=|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=|سنة=1994|ISBN=0791418286|مكان=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200324175747/https://books.google.ae/books?id=KBQOAQAAMAAJ|تاريخ أرشيف=2020-03-24}}
* {{استشهاد بدورية محكمة|الأخير=جيب|الأول=هاميلتون ألكسندر روسكين|عنوان=الفتوحات العربية في آسيا الوسطى|لغة=الإنكليزية|صحيفة=الجمعية الآسيوية الملكية|مسار= https://archive.org/details/arabconquestsinc00gibbuoft/mode/2up|تاريخ=|تاريخ الوصول=24-3-2020|مؤلف-وصلة=|سنة=1923|ISBN=0791418286|مكان=لندن|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220422011940/https://archive.org/details/arabconquestsinc00gibbuoft/mode/2up|تاريخ أرشيف=2022-04-22}}
{{نهاية المراجع}}
{{شريط بوابات|الإسلام|التاريخ|الدولة الأموية}}

[[تصنيف:721]]
[[تصنيف:أمويون]]
[[تصنيف:الدولة الأموية]]
[[تصنيف:الفتح الإسلامي لما وراء النهر]]
[[تصنيف:حصارات الدولة الأموية]]
[[تصنيف:خراسان الكبرى تحت الدولة الأموية]]
[[تصنيف:سمرقند]]
[[تصنيف:الدولة الأموية في عقد 720]]
[[تصنيف:غزوات الأمويين]]
[[تصنيف:نزاعات في عقد 720]]
[[تصنيف:ولاية سمرقند]]