عرض مصدر غزوة الخندق

{{معلومات نزاع عسكري
| اسم_النزاع = غزوة الخندق<br />غزوة الأحزاب
| جزء_من = [[غزوات الرسول محمد]]
| صورة = Combat between Ali ibn Abi Talib and Amr Ben Wad near Medina.JPG
| عرض_الصورة = 270
| تعليق = رسم تخيُلي لمبارزة بين الصحابي [[علي بن أبي طالب]] و[[عمرو بن عبد ود]] في المعركة
| تاريخ = [[شوال]] [[5 هـ|5هـ]] / [[مارس]] [[627]]م
| مكان = [[المدينة المنورة]]، [[الحجاز]]، [[شبه الجزيرة العربية]]
| إحداثيات = {{إحداثيات|24|29|47|N|39|35|41|E|region:SA_type:event|display=title}}
| نوع_الخريطة = السعودية
| خريطة_تضاريس = 
| خط_عرض = 24.496389
| خط_طول = 39.594722
| حجم_الخريطة = 270
| حجم_العلامة = 
| تعليق_الخريطة = 
| عنوان_الخريطة = 
| التغييرات_الحدودية = 
| نتيجة = انسحاب الأحزاب وانتصار [[مسلم|المسلمين]]
| حالة = 
| خصم1 = {{المسلمون}}:
* [[المهاجرون]]
* [[الأنصار]]
| خصم2 = الأحزاب:
* {{قريش}}
* [[كنانة]] <small>([[حلف الأحابيش|الأحابيش]])</small>
* [[بنو غطفان|غطفان]] <small>([[بنو غطفان|فزارة]] و[[قبيلة آل مرة|بنو مرة]] و[[أشجع (توضيح)|أشجع]])</small>
* [[بنو أسد]]
* [[هذيل]]
* [[خزاعة]]
* [[بنو سليم|سليم]]
* يهود [[بنو النضير|بني النضير]] و[[بنو قريظة|بني قريظة]].
| خصم3 = 
| قائد1 = [[محمد|النبي محمد]]<br />[[أبو بكر الصديق]]<br />[[عمر بن الخطاب]]<br />[[علي بن أبي طالب]]<br /> [[سعد بن معاذ]]
| قائد2 = [[أبو سفيان بن حرب]] <small>(قائد قريش وبني كنانة)</small><br />[[عيينة بن حصن]] <small>(قائد بني فزارة)</small><br />[[قائمة الصحابة#ح|الحارث بن عوف]] <small>(قائد بني مرة)</small><br />[[مسعر بن رخيلة]] <small>(قائد بني أشجع)</small><br />[[طليحة بن خويلد الأسدي]] <small>(قائد بني أسد)</small><br />[[سفيان بن عبد شمس]] <small>(قائد بني سليم)</small>
| قائد3 = 
| وحدات1 = 
| وحدات2 = 
| وحدات3 = 
| قوة1 = 3,000 مقاتل
| قوة2 = 10,000 مقاتل
| قوة3 = 
| خسائر1 = 9 قتلى
| خسائر2 = 4 قتلى
| خسائر3 = 
| ملاحظات = 
| صندوق_حملة = 
}}
{{شريط جانبي غزوات الرسول}}
{{شريط جانبي سرايا الرسول}}
'''غَزْوَةُ الخنْدَق''' (وتُسمى أيضاً '''غَزْوَةُ الأَحزَاب''') هي [[غزوات الرسول محمد|غزوة]] وقعت في شهر [[شوال]] من [[5 هـ|العام الخامس من الهجرة]] (الموافق [[مارس]] [[627]]م) بين [[مسلم|المسلمين]] بقيادة [[محمد|الرسول محمد]]، و'''الأحزاب''' الذين هم مجموعة من [[قبيلة|القبائل العربية]] المختلفة التي اجتمعت لغزو [[المدينة المنورة]] والقضاء على المسلمين و[[الدولة الإسلامية]]. سبب غزوة الخندق هو أن [[بنو النضير|يهود بني النضير]] نقضوا عهدهم مع الرسولِ محمدٍ وحاولوا قتله، فوجَّه إليهم جيشَه فحاصرهم حتى استسلموا، ثم أخرجهم من ديارهم. ونتيجةً لذلك، همَّ يهود بني النضير بالانتقام من المسلمين، فبدأوا بتحريض القبائل العربية على غزو [[المدينة المنورة]]، فاستجاب لهم من [[عرب|العرب]]: قبيلة [[قريش]] وحلفاؤها: [[كنانة]] ([[حلف الأحابيش|الأحابيش]])، وقبيلة [[بنو غطفان|غطفان]] ([[بنو غطفان|فزارة]] و[[قبيلة آل مرة|بنو مرة]] و[[أشجع (توضيح)|أشجع]]) وحلفاؤها [[بنو أسد]] و[[بنو سليم|سليم]] وقبيلة [[هذيل]] وقبيلة [[خزاعة (قبيلة)|خزاعة]] وغيرُها،<ref>{{استشهاد ويب|عنوان=ص126 - كتاب مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم - قوة قريش الحربية وعلاقتها بالقبائل الخارجية - المكتبة الشاملة|مسار= https://shamela.ws/book/4371/132|تاريخ الوصول=2023-12-06|صحيفة=shamela.ws|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20231214001218/https://shamela.ws/book/4371/132|تاريخ أرشيف=2023-12-14}}</ref> وقد سُمُّوا بالأحزاب، ثم انضم إليهم [[بنو قريظة|يهودُ بني قريظة]] الذين كان بينهم وبين المسلمين عهدٌ وميثاقٌ.

تصدَّى الرسولُ محمدٌ والمسلمون للأحزاب، وذلك عن طريق حفر خندقٍ شمالَ [[المدينة المنورة]] لمنع الأحزاب من دخولها، ولمَّا وصل الأحزابُ حدود المدينة المنورة عجزوا عن دخولها، فضربوا حصاراً عليها دام ثلاثة أسابيع، وأدى هذا الحصار إلى تعرِّض المسلمين للأذى والمشقة والجوع. وانتهت غزوة الخندق بانسحاب الأحزاب، وذلك بسبب تعرضهم للريح الباردة الشديدة، ويؤمن المسلمون أن انتصارهم في غزوة الخندق كان لأن [[الله (إسلام)|الله تعالى]] زلزل أبدانَ الأحزاب وقلوبَهم، وشتت جمعَهم بالخلاف، وألقى الرعبَ في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده. وبعد انتهاء المعركة، أمر الرسولُ محمدٌ أصحابَه بالتوجه إلى [[بنو قريظة|بني قريظة]]، فحاصروهم حتى استسلموا، فقام الرسولُ محمدٌ بتحكيم من يرضون، وقد كان [[سعد بن معاذ]] الذي كان حليفا لهم قبل الإسلام، فحكم بقتل المقاتلة منهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدًا بين المسلمين، فأمر الرسولُ محمدٌ بتنفيذ الحكم.

== قبل الغزوة ==
=== غزوة بني النضير ===
{{مفصلة|غزوة بني النضير}}
وقعت [[غزوة بني النضير]] بعد [[غزوة أحد]]، في شهر [[ربيع الأول]] من [[4 هـ|السنة الرابعة من الهجرة]] بين المسلمين ويهود [[بنو النضير|بني النضير]]،<ref name="علي الصلابي">السيرة النبوية - عرض وقائع وتحليل أحداث، [[علي الصلابي|علي محمد الصلابي]]، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان. الطبعة السابعة، 1429هـ-2008م</ref> وذلك للأسباب التالية:
# نَقْض بني النضير عهودهم مع المسلمين، والتي تشترط عليهم ألا يؤوا عدوًا للمسلمين، وقد فعلوا ذلك في [[غزوة السويق]]، حيث نذر [[أبو سفيان بن حرب]] حين رجع إلى مكة بعد [[غزوة بدر]]، نذر ألا يمس رأسَه ماءٌ من جنابة حتى يغزو المدينة، فلما خرج في مئتي راكب قاصدًا المدينة، قام سيد بني النضير «سلام بن مشكم» بالوقوف معه وضيافته، وأبطن له خبر الناس، أي دلَّه على مواطن ضعف المسلمين.<ref>[[تاريخ الطبري]]، [[محمد بن جرير الطبري]]، ج2 ص284</ref>
# محاولة اغتيال الرسولِ محمدٍ، إذ خرج الرسولُ في نفر من أصحابه عن طريق [[قباء|قِبَاء]] إلى ديار بني النضير يستعينهم في دية القتيلين [[عامرية (توضيح)|العامريين الهوازنيين]]، وهما رجلان من [[بنو كلاب|بني كلاب]] لقيا [[عمرو بن أمية الضمري]] الكناني فقتلهما وهو لا يعلم أنهما كانا عند الرسول محمد، وذلك في أول يوم من [[رجب]]، فقالت [[قريش]]: «قتلهما في الشهر الحرام».<ref>[[تفسير القرطبي]]، [[القرطبي]]، [[سورة البقرة]]، الآيات: 217-219</ref> فخرج الرسولُ إلى ديار بني النضير يستعينهم في ديتيهما، وذلك تنفيذاً للعهد الذي كان بين النبي محمد وبين بني النضير حول أداء الديات، وإقرارًا لما كان يقوم بين [[بنو النضير|بني النضير]] وبين [[بنو عامر بن صعصعة|بني عامر بن صعصعة]] من عقود وأحلاف. واستقبل بنو النضير الرسولَ محمداً بكثير من البشاشة والكياسة، ثم خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون في قتله والغدر به، ويبدو أنهم اتفقوا على إلقاء صخرة عليه، من فوق جدار كان يجلس بالقرب منه، ولكن الرسولَ أدرك مقاصد بني النضير، ويؤمن المسلمون أن الخبر جاءه من السماء بما عزم عليه بنو النضير من شر، فنهض وانطلق بسرعة إلى المدينة، ثم تبعه أصحابه بعد قليل.<ref>مغازي الواقدي، [[الواقدي]]، ج1 ص365</ref><ref>التاريخ السياسي والعسكري، ص190</ref>

وردّاً على ذلك، صمم الرسولُ محمدٌ على محاربة بني النضير الذين نقضوا العهد والمواثيق معه، وأمر أصحابه بالتهيؤ لقتالهم والسير إليهم،<ref>التاريخ السياسي والعسكري لدولة المدينة، ص190</ref> وأنذر بني النضير بالجلاء خلال عشرة أيام، وأرسل [[محمد بن مسلمة|محمداً بن مسلمة]] إليهم، وقال له: {{اقتباس مضمن|اذهب إلى يهود بني النضير، وقل لهم: إن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلادي؛ لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم مما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشرًا، فمن رُئي بعد منكم ضربت عنقه}}،<ref>[[كتاب الطبقات الكبير]]، [[محمد بن سعد البغدادي|محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري]]، ج2 ص57</ref><ref>مغازي الواقدي، [[الواقدي]]، ج1 ص363-370</ref> ولم يجدوا جوابًا يردون به سوى أن قالوا لمحمد بن مسلمة: «يا محمد، ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من [[الأوس (قبيلة)|الأوس]]»، فقال محمد: «تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود»، فقالوا: «نتحمل»، فمكثوا أياماً يعدون العدة للرحيل.<ref>[[تاريخ الطبري]]، [[محمد بن جرير الطبري]]، ج2 ص552</ref>
{{إسلام}}
وفي تلك المدة أرسل إليهم [[عبد الله بن أبي ابن سلول]] مَن يقول لهم: «اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم،<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[عبد الملك بن هشام]]، دار الفكر، بدون تاريخ، ج3 ص212</ref> ولا تخرجوا فإن معي من العرب وممن انضوى إلى قومي ألفين، فأقيموا، فهم يدخلون معكم حصونكم، ويموتون عن آخرهم قبل أن يصلوا إليكم»،<ref>[[تاريخ الطبري]]، [[محمد بن جرير الطبري]]، ج2 ص553</ref> فعادت لليهود بعضُ ثقتهم، وتشجَّعَ كبيرُهم [[حيي بن أخطب]] وأرسل جدي بن أخطب إلى الرسولِ محمدٍ يقول له: «إنا لن نريم -أي لن نبرح- دارنا فاصنع ما بدا لك»، فكبَّر الرسولُ وكبَّر المسلمون معه، وقال: {{اقتباس مضمن|حاربت يهود}}.<ref>[[السيرة النبوية لابن كثير|السيرة النبوية]]، [[ابن كثير الدمشقي|إسماعيل بن عمر بن كثير]]، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1398هـ، ج3 ص146</ref>

وانقضت الأيام العشرة ولم يخرجوا من ديارهم، فتحركت جيوش المسلمين صوبهم، واستعمل النبي محمد على المدينة [[عبد الله بن أم مكتوم|ابن أم مكتوم]] وسار إليهم، و[[علي بن أبي طالب]] يحمل اللواء، فلما انتهى إليهم فرض عليهم الحصار.<ref name="الرحيق المختوم">[[الرحيق المختوم (كتاب)|الرحيق المختوم]]، [[صفي الرحمن المباركفوري]]، دار الهلال، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى</ref> وضُرب عليهم الحصارُ لمدة خمس عشرة ليلة. والتجأ بنو النضير إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك، فأمر الرسولُ بقطعها وتحريقها، وفي ذلك يقول [[حسان بن ثابت]]:<ref name="الرحيق المختوم"/>
{{أبيات|
'''وهان على سراة بني لؤي'''\\'''حريقٌ بالبويرة مستطيرُ'''}}
وأدرك بنو النضير أن لا مفر من جلائهم، ودب اليأسُ والرعبُ في قلوبهم، وخاصة بعد أن أخلف [[عبد الله بن أبي ابن سلول]] وعده بنصرهم، وعجز إخوانهم أن يسوقوا إليهم خيرًا أو يدفعوا عنهم شرًا، فأرسلوا إلى الرسولِ محمد يلتمسون منه أن يؤمنهم حتى يخرجوا من ديارهم، فوافقهم الرسولُ محمد على ذلك وقال لهم: {{اقتباس مضمن|اخرجوا منها، ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة}}، والحلقة هي الدروع والسلاح، فرضوا بذلك.<ref>حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول، ج1 ص257</ref>

ونقض اليهودُ سُقُفَ بيوتهم وعُمْدَها وجدرانَها لكي لا ينتفع منها المسلمون، وحملوا معهم كميات كبيرة من [[ذهب|الذهب]] و[[فضة|الفضة]]، حتى أن سلام بن أبي الحقيق وحده حمل جلد [[ثور (توضيح)|ثور]] مملوءًا ذهبًا وفضة، وكان يقول: «هذا الذي أعددناه لرفع الأرض وخفضها، وإن كنا تركنا نخلاً ففي خيبر النخل».<ref>السيرة الحلبية، ج2 ص566</ref> وحملوا أمتعتهم على ستمئة بعير، وخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن من خلفهم، حتى لا يشمت بهم المسلمون، فقصد بعضهم [[خيبر]] وسار آخرون إلى أذرعات [[بلاد الشام|الشام]].<ref>السيرة الحلبية، ج2 ص565</ref><ref>حديث القرآن الكريم، ج1 ص257</ref> وأسلم منهم رجلان فقط: يامين بن عمرو وأبو سعد بن وهب، فأحرزا أموالهما.<ref name="الرحيق المختوم"/>

وقد تولى عملية إخراجهم من المدينة [[محمد بن مسلمة]] بأمر من الرسولِ محمدٍ.<ref>مغازي الواقدي، [[الواقدي]]، ج1 ص374</ref><ref>اليهود في السنة المطهرة، عبد الله بن ناصر بن محمد الشقاري، ج1 ص321</ref> وكان من أشرافهم الذين ساروا إلى خيبر: سلام بن أبي الحقيق، و[[حيي بن أخطب]]، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فلما نزلوها دان لهم أهلها.<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ج3 ص212</ref>

ونزلت في غزوة بني النضير [[سورة الحشر]] بأكملها، فوصفت طرد اليهود، وفضحت مسلك المنافقين، وبينت أحكام الفيء، وأثنت على المهاجرين والأنصار، وبينت جواز القطع والحرق في أرض العدو للمصالح الحربية، وأن ذلك ليس من الفساد في الأرض، وأوصت المؤمنين بالتزام التقوى والاستعداد للآخرة، ثم خُتمت بالثناء على الله تعالى وبيان أسمائه وصفاته.<ref name="الرحيق المختوم"/> وكان [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]] يقول عن [[سورة الحشر]]: «قل: سورة النضير».<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ج2 ص190-192</ref><ref>[[زاد المعاد في هدي خير العباد]]، [[ابن قيم الجوزية]]، ج2 ص71، 110</ref><ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1411هـ-1991م، 2ج ص574-575</ref>

=== أسباب غزوة الخندق ===
[[ملف:Madina old.jpg|تصغير|يسار|منظر عام [[المدينة المنورة|للمدينة المنورة]] قديمًا]]
بعد أن خرج يهود [[بنو النضير|بني النضير]] من المدينة إلى [[خيبر]]، خرجوا وهم يحملون معهم أحقادهم على المسلمين، فما أن استقروا بخيبر حتى أخذوا يرسمون الخطط للانتقام من المسلمين، فاتفقت كلمتهم على التوجه إلى القبائل العربية المختلفة لتحريضها على حرب المسلمين، وكونوا لهذا الغرض وفدًا يتكون من: سلام بن أبي الحقيق، و[[حيي بن أخطب]]، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس، وأبي عمار.<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ج3 ص237</ref>

وخرج الوفد الذي يتكون من عشرين رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى [[قريش]] بمكة، يحرضونهم على غزو الرسول محمدٍ، ويوالونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم [[قريش]] التي قد أخلفت وعدها في الخروج إلى بدر، فرأت في ذلك إنقاذ سمعتها والبر بكلمتها.<ref name="الرحيق المختوم"/> ثم خرج هذا الوفد إلى [[بنو غطفان|غطفان]]، فدعاهم إلى ما دعا إليه قريشاً، فاستجابوا لذلك، ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك، فاستجاب له من استجاب، وهكذا نجح سادة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب المشركين على الرسول محمدٍ ودعوته والمسلمين.<ref name="الرحيق المختوم"/>

وقد وافقت [[قريش]] على غزو المدينة لأنها شعرت بمرارة الحصار الاقتصادي الذي ضربه عليها المسلمون، ووافقت [[بنو غطفان|غطفان]] طمعًا في خيرات المدينة وفي السلب والنهب.<ref name="علي الصلابي"/> وقد قال وفد اليهود لمشركي مكة: «إن دينكم خيرٌ من دين محمد، وأنتم أولى بالحق منه»،<ref>التاريخ السياسي والعسكري، علي معطي، ص310</ref> وفي ذلك نزلت الآيات: {{قرآن|النساء|51|إلى آية=52|لا تخريج=1}}.<ref>سورة النساء، الآيتان: 51-52</ref>

وقد أبرم الوفد اليهودي مع زعماء أعراب [[بنو غطفان|غطفان]] اتفاقيةً ضد المسلمين، وكان أهم بنود هذا الاتفاق هو:
# أن تكون قوة غطفان في جيش الاتحاد هذا: ستة آلاف مقاتل.
# أن يدفع اليهود لقبائل غطفان (مقابل ذلك) كل تمر خيبر لسنة واحدة.<ref>غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل، ص141</ref>

وفعلاً، خرجت من الجنوب [[قريش]] من [[كنانة]] في أربعة آلاف يقودهم [[أبو سفيان بن حرب|أبو سفيان صخر بن حرب]] حتى نزلوا وادي العقيق، ووافاهم [[بنو سليم]] بمر الظهران وهم سبعمئة يقودهم سفيان بن عبد شمس، وخرجت من الشرق بنو أسد يقودهم طليحة بن خويلد، وقبائل [[بنو غطفان|غطفان]]: بنو فزارة، يقودهم عيينة بن حصن، و[[قبيلة آل مرة|بنو مرة]] وهم أربعمئة يقودهم الحارث بن عوف، وبنو أشجع وهم أربعمئة يقودهم مسعر بن رخيلة، ونزلت [[بنو غطفان|غطفان]] بجانب أحد. ثم اتجهت هذه الأحزاب، وتحركت نحو المدينة على ميعاد كانت قد تعاقدت عليه. وبعد أيام، تجمَّعَ حول المدينة جيش يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل،<ref name="الرحيق المختوم"/><ref>إمتاع الأسماع، [[تقي الدين المقريزي]]، ج1 ص224</ref><ref name="ReferenceC">[[كتاب الطبقات الكبير|الطبقات الكبير]]، [[محمد بن سعد البغدادي|محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري]]، ج2 ص66</ref> أربعة آلاف من قريش وأحلافها كنانة، وستة آلاف من غطفان وأحلافها بني أسد وسليم.<ref name="علي الصلابي"/>

== استعداد المسلمين للمعركة ==
[[ملف:Madina trip 131.jpg|تصغير|تل الراية وبه مسجد الراية مكان معسكر وراية رسول الله في غزوة الخندق]]
ذهب جمهور أهل [[السيرة النبوية|السير]] و[[مخيم المغازي|المغازي]] إلى أن غزوة الأحزاب كانت في شهر [[شوال]] من [[5 هـ|السنة الخامسة من الهجرة]]،<ref name="ReferenceA">السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله أحمد، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، الطبعة الأولى، 1412هـ-1992م، ص443</ref> وقيل إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من [[ذو القعدة|ذي القعدة]] في العام الخامس الهجري،<ref>المغازي، ج2 ص440، بدون إسناد</ref> وقيل إن هزيمة الأحزاب كانت يوم الأربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من الهجرة،<ref>الطبقات، ج2 ص65، 73، بإسناد متصل</ref> وقيل إنها وقعت [[4 هـ|سنة أربع من الهجرة]].<ref>[[البداية والنهاية]]، [[ابن كثير الدمشقي|إسماعيل بن عمر بن كثير]]، دار الريان للتراث، ج4 ص105</ref> ويرى العلماء أن القائلين بأنها وقعت سنة أربع كانوا يعدون التاريخ من [[المحرم (شهر)|المحرم]] الذي وقع بعد الهجرة، ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى [[ربيع الأول]]، وهو مخالف لما عليه الجمهور مِن جَعْل التاريخ من المحرم سنة الهجرة.<ref name="ReferenceA"/>

=== حفر الخندق ===
[[ملف:Madina trip 136.jpg|تصغير|المزرعة في الأفق مكان نهاية الخندق]]
كانت استخبارات الدولة الإسلامية على حذر تام من أعدائهم؛ لذا فقد كانوا يتتبعون أخبار الأحزاب، ويرصدون تحركاتهم، ويتابعون حركة الوفد اليهودي منذ خرج من [[خيبر]] في اتجاه [[مكة]]، وكانوا على علم تام بكل ما يجري بين الوفد اليهودي وبين [[قريش]] أولاً، ثم [[بنو غطفان|غطفان]] ثانيًا.<ref name="علي الصلابي"/>

وبمجرد حصول المدينة على هذه المعلومات عن العدو شرع الرسولُ محمدٌ في اتخاذ الإجراءات الدفاعية اللازمة، ودعا إلى اجتماع عاجل حضره كبار قادة جيش المسلمين من [[المهاجرون|المهاجرين]] و[[الأنصار]]، بحث فيه معهم هذا الموقف.<ref>غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل، ص144-145</ref> فأشار [[الصحابة|الصحابي]] [[سلمان الفارسي]] على الرسولِ محمدٍ بحفر خندق، قال سلمان: «يا رسول الله، إنا إذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل، خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن تخندق؟»، فأَعجب رأيُ سلمان المسلمين.<ref name="ReferenceC"/><ref>مغازي الواقدي، [[الواقدي]]، ج2 ص444</ref> وقال [[المهاجرون]] يوم الخندق: «سلمان منا»، وقالت [[الأنصار]]: «سلمان منا»، فقال الرسولُ محمدٌ: {{اقتباس مضمن|سلمان منا أهل البيت}}.<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ج3 ص247</ref>

وعندما استقر الرأي بعد المشاورة على حفر الخندق، ذهب الرسولُ هو وبعضُ أصحابه لتحديد مكانه، واختار للمسلمين مكانًا تتوافر فيه الحمايةُ للجيش. فقد ركب الرسولُ محمدٌ فرسًا له ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فارتاد موضعًا ينزله، فكان أعجبَ المنازل إليه أن يجعل «[[جبل سلع]]» خلف ظهره، ويخندق من «المذاد» إلى «[[جبل ذباب]]» (أكمة صغيرة في المدينة يفصل بينها وبين جبل سلع [[ثنية الوداع]]) إلى «راتج» (حصن من حصون المدينة لأناس من اليهود)، وقد استفاد الرسولُ من مناعة جبل سلع (وهو أشهر جبال المدينة)<ref>[[معجم البلدان]]، [[ياقوت الحموي]]، ج3 ص236</ref> في حماية ظهور الصحابة.<ref name="علي الصلابي"/>
[[ملف:Al-Ahzab Battle map-2.svg|تصغير|يسار|رسم توضيحي يبين غزوة الخندق]]

كان اختيار تلك المواقع موفقًا؛ لأن شمال المدينة هو الجانب المكشوف أمام العدو، والذي يستطيع منه دخول المدينة وتهديدها، أما الجوانب الأخرى فهي حصينة منيعة، تقف عقبةً أمام أي هجوم يقوم به الأعداء، فكانت الدور من ناحية الجنوب متلاصقة عالية كالسور المنيع، وكانت «[[حرة واقم]]» من جهة الشرق، و«[[حرة الوبرة]]» من جهة الغرب، تقومان مقام حصن طبيعي، وكانت آطام [[بنو قريظة|بني قريظة]] في الجنوب الشرقي كفيلة بتأمين ظهر المسلمين، إذ كان بين الرسولِ محمدٍ وبني قريظة عهدٌ ألا يمالئوا عليه أحداً، ولا يناصروا عدوًا ضده.<ref>العبقرية العسكرية في غزوات الرسول، محمد فرج، ص442</ref>

لقد كانت خطة الرسولِ محمدٍ في الخندق متطورةً ومتقدمةً بالنسبة للعرب،<ref name="علي الصلابي"/> إذ لم يكن حفر الخندق من الأمور المعروفة لدى العرب في حروبهم، بل كان الأخذ بهذا الأسلوب غريبًا عنهم، وبهذا يكون الرسولُ محمدٌ هو أولَ من استعمل الخندق في الحروب في تاريخ العرب والمسلمين، فقد كان هذا الخندق مفاجأة مذهلة لأعداء الإسلام، وأبطل خطتهم التي رسموها.<ref name="علي الصلابي"/>

اقترن حفر الخندق بصعوبات جمة، فقد كان الجو باردًا، والريح شديدة والحالة المعيشية صعبة، بالإضافة إلى الخوف من قدوم العدو الذي يتوقعونه في كل لحظة، ويضاف إلى ذلك العملُ المضني، حيث كان الصحابة يحفرون بأيديهم، وينقلون التراب على ظهورهم، ولا شك في أن هذا الظرف بطبيعة الحال يحتاج إلى قدر كبير من الحزم والجد. وكانت هناك مجموعة من [[الأنصار]] تقوم بحراسة الرسولِ محمدٍ في كل ليلة، وعلى رأسهم [[عباد بن بشر]]، وقد قسَّم الرسولُ أعمالَ حفر الخندق بين الصحابة، كل أربعين ذراعًا لعشرة من الصحابة، ووكل بكل جانب جماعة يحفرون فيه.<ref name="علي الصلابي"/>

وقد شارك الرسولُ الصحابةَ جوعَهم، قال [[أبو طلحة الأنصاري|أبو طلحة]]: {{اقتباس مضمن|شكونا إلى رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} الجوعَ فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} عن حجرين}}. كما شارك الرسولُ الصحابةَ في حفر الخندق، وكان يرتجز بكلمات [[عبد الله بن رواحة|ابن رواحة]] وهو ينقل التراب، ويقول:
{{أبيات|
'''والله لولا الله مـا اهتدينا'''\\'''ولا تصـدقـنا ولا صـليـنا'''
'''فأنزلن سكيـنـة عـلـيـنا'''\\'''وثبت الأقـدام إن لاقيـنا'''
'''إن الأعادي قد بغوا علينا'''\\'''وإن أرادوا فتنة أبيـنا'''}}
ثم يمد صوته بآخرها.<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، ج5 ص57، رقم: 4106</ref>
وكان الصحابة يقولون يوم الخندق:
{{أبيات|
'''نحن الذين بايعوا محمدًا'''\\'''على الإسلام ما بقينا أبدًا'''}}
وقيل «على الجهاد»، والنبي يقول:<ref>[[صحيح مسلم]]، [[مسلم بن الحجاج]]، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، ج3 ص1432، رقم: 129</ref>
{{أبيات|
'''اللهم إن الخير خير الآخرة'''\\'''فاغفر للأنصار والمهاجرة'''}}
لقد كان لهذا التبسط والمرح في ذلك الوقت أثره في التخفيف عن الصحابة مما يعانونه نتيجة للظروف الصعبة التي يعيشونها، كما كان له أثره في بعث الهمة والنشاط بإنجاز العمل الذي كلفوا بإتمامه قبل وصول عدوهم.<ref>القيادة العسكرية في عهد الرسول، ص482</ref>

وكان الصحابة يستأذنون الرسولَ محمداً في الانصراف إذا عرضت لهم ضرورة، فيذهبون لقضاء حوائجهم، ثم يرجعون إلى ما كانوا فيه من العمل، فأنزل [[الله (إسلام)|الله تعالى]] فيهم: {{قرآن|النور|62|لا تخريج=1}}.<ref>سورة النور، الآية: 62</ref> ومعنى الآية الكريمة: إذا استأذنك يا محمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك في هذه المواطن لقضاء بعض حاجاتهم التي تعرض لهم فأذَن لمن شئت منهم في الانصراف عنك لقضائها، واستغفر لهم،<ref>صفوة التفاسير، [[محمد علي الصابوني]]، ج2 ص351</ref> فكان الرسولُ محمد بالخَيار، إن شاء أذن للمستأذن إذا رأى ذلك ضرورة له، ولم ير فيه مضرة على الجماعة، فكان يأذن أو يمنع حسب ما تقتضيه المصلحة ويقتضيه مقام الحال.<ref>أحكام القرآن، [[أبو بكر بن العربي]]، ج3 ص1410</ref> كما قسم الرسولُ أصحابه إلى مجموعات للحراسة ومقاومة كل من يريد أن يخترق الخندق.<ref name="علي الصلابي"/>

وواصل المسلمون عملهم في حفر الخندق، فكانوا يحفرونه طول النهار، ويرجعون إلى أهليهم في المساء، حتى تكامل الخندق حسب الخطة المنشودة، قبل أن يصل جيش الأحزاب إلى أسوار المدينة.<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ج3 ص330-331</ref>

=== تأمين الذراري والنساء والصبيان ===
لما علم الرسولُ محمدٌ بقدوم جيش الأحزاب وأراد الخروج إلى الخندق، أمر بوضع ذراري المسلمين ونسائهم وصبيانهم في حصن [[قائمة الصحابة#ح|بني حارثة]]، حتى يكونوا في مأمن من خطر الأعداء،<ref name="علي الصلابي"/> وقد فعل الرسولُ محمد ذلك لأن حماية الذراري والنساء والصبيان لها أثر فعال على معنويات المقاتلين؛ لأن الجندي إذا اطمأن على زوجه وأبنائه يكون مرتاح الضمير هادئ الأعصاب، أما إذا كان الأمر بعكس ذلك فإن أمر الجندي يضطرب ومعنوياته تضعف ويستولي عليه القلق، مما يكون له أثر في تراجعه عن القتال.<ref>غزوة الأحزاب، محمد عبد القادر أبو فارس، ص98</ref>

إذن، وضع الرسولُ محمدٌ النساء والأطفال في حصن فارع قوي حمايةً لهم؛ لأن المسلمين كانوا في شغل عن حمايتهم، لمواجهتهم جيوش الأحزاب، فعندما نقض يهود [[بنو قريظة|بني قريظة]] عهدهم مع الرسول، أرسلت بنو قريظة يهوديًّا ليستطلع وضع الحصن الذي فيه نساءُ المسلمين وأطفالُهم، فأبصرته [[صفية بنت عبد المطلب]] عمة الرسول محمد، فأخذت عمودًا ونزلت من الحصن فضربته بالعمود فقتلته، فكان هذا الفعل من صفية رادعًا لليهود من التحرش بهذا الحصن الذي ليس فيه إلا النساء والأطفال، حيث ظنت يهود بني قريظة أنه يحميه الجيشُ الإسلاميُّ، أو أن فيه على الأقل من يدافع عنه من الرجال.<ref>[[الرحيق المختوم (كتاب)|الرحيق المختوم]]، ص283-284</ref>

== بعض معجزات الرسول محمد أثناء حفر الخندق ==
[[ملف:Burton View of Medina.gif|تصغير|يسار|رسم قديم للمدينة المنورة]]
يؤمن المسلمون أنه قد ظهرت خلال مرحلة حفر الخندق معجزاتٌ حسيةٌ للرسول محمد، منها تكثير الطعام الذي أعده [[جابر بن عبد الله الأنصاري|جابر بن عبد الله]]، إذ قال جابر بن عبد الله:
{{اقتباس|إنا يوم الخندق مُحفِّر، فعرضت كدية شديدة، فجاءوا النبي {{صلى الله عليه وسلم}} فقالوا: «هذه كدية عرضت في الخندق»، فقال: {{اقتباس مضمن|أنا نازل}}، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي {{صلى الله عليه وسلم}} المعول، فضرب في الكدية فعاد كثيبًا أهيل (رملاً سائلاً) أو أهيم (الرمل الذي لا يتمالك)، فقلت: «يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت»، فقلت لامرأتي: «رأيت بالنبي {{صلى الله عليه وسلم}} شيئًا ما كان لي في ذلك عليه صبر، فعندك شيء؟»، فقالت: «عندي شعير وعناق» (العناق: الأنثى من أولاد [[ماعز|الماعز]])، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم بالبرمة (القِدر)، ثم جئت النبي {{صلى الله عليه وسلم}} والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي (الحجارة التي تنصب ويجعل القدر عليها)، قد كادت أن تنضج، فقلت: «طُعَيمٌ لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان»، قال: {{اقتباس مضمن|كم هو؟}}، فذكرت له، فقال: {{اقتباس مضمن|كثير طيب}}، قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي». فقال: {{اقتباس مضمن|قوموا}}، فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: «ويحكِ جاء النبي {{صلى الله عليه وسلم}} بالمهاجرين والأنصار ومن معهم»، قالت: «هل سألك؟»، قلت: «نعم»، فقال: {{اقتباس مضمن|ادخلوا ولا تضاغطوا}}، فجعل يكثر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: {{اقتباس مضمن|كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة}}.<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، ج5 ص55، رقم: 4101</ref>}}

وهذه ابنة بشير بن سعد تقول: «دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: «أي بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك [[عبد الله بن رواحة]] بغدائهما»، فأخذتها فانطلقت بها، فمررت برسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وأنا ألتمس أبي وخالي، فقال: {{اقتباس مضمن|تعالي يا بنية ما هذا معك؟}}، فقلت: «يا رسول الله، هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغذيانه»، قال: {{اقتباس مضمن|هاتيه}}، فصببته في كفي رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط له ثم دعا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: {{اقتباس مضمن|اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغذاء}}، فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب».<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ج3 ص241</ref>

وعندما اعترضت صخرةٌ الصحابةَ وهم يحفرون، ضربها الرسولُ محمدٌ ثلاث ضربات فتفتتت، قال إثر الضربة الأولى: {{اقتباس مضمن|الله أكبر، أعطيت مفاتيح [[بلاد الشام|الشام]]، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة}}، ثم ضربها الثانية فقال: {{اقتباس مضمن|الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر [[المدائن]] أبيض}}، ثم ضرب الثالثة، وقال: {{اقتباس مضمن|الله أكبر أعطيت مفاتيح [[اليمن]]، والله إني لأبصر أبواب [[صنعاء]] من مكاني هذه الساعة}}.<ref>السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله أحمد، ص449</ref> وقد تحققت هذه البشارة التي أخبرت عن اتساع [[فتوحات إسلامية|الفتوحات الإسلامية]] والإخبار عنها في وقت كان المسلمون فيه محصورين في المدينة يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد القارص.<ref>موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم، فريق كبير من المتخصصين بإشراف صالح بن حميد وعبد الرحمن بن ملوح، ج1 ص325</ref>

== بدء غزوة الخندق وفرض الحصار على المسلمين ==
{{صندوق اقتباس|اقتباس=«اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب،<br /> اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم»<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، عن [[عبد الله بن أبي أوفى]]، رقم: 2933</ref>|المصدر='' محمد بن عبد الله''}}
أقبلت [[قريش]] و[[كنانة]] في أربعة آلاف مقاتل، حتى نزلوا بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزعابة، وأقبلت [[بنو غطفان|غطفان]] و[[بنو أسد]] و[[سليم (توضيح)|سليم]] في ستة آلاف حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد. ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا: «هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله»، فنزلت هذه الآية من [[سورة الأحزاب]]: {{قرآن|الأحزاب|22|لا تخريج=1}}.<ref name="الرحيق المختوم"/><ref name="سورة الأحزاب، الآية: 22">سورة الأحزاب، الآية: 22</ref>

وأما [[نفاق|المنافقون]] فقد انسحبوا من الجيش، وزاد خوفُهم، حتى قال معتب بن قشير الضبيعي الأوسي: «كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز [[كسرى (توضيح)|كسرى]] و[[قيصر (توضيح)|قيصر]]، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط»، وطلب البعضُ الآخرُ الإذنَ لهم بالرجوع إلى بيوتهم بحجة أنها عورة، فقد كان موقفهم يتسم بالجبن والإرجاف وتخذيل المؤمنين،<ref name="علي الصلابي"/> وقد صور القرآنُ حالَ المنافقين في هذه الآيات: {{قرآن|الأحزاب|13|إلى آية=20|لا تخريج=1}}.<ref>سورة الأحزاب، الآيات: 13-20</ref>
[[ملف:Battle of trench, Medina.JPG|تصغير|300بك|يسار|لافتة توضيحية عند [[المساجد السبعة]]، وهي مجموعة مساجد صغيرة تقع في الجهة الغربية من [[جبل سلع]] عند جزء من الخندق الذي حفره المسلمون، ويروى أنها كانت مواقع مرابطة ومراقبة في غزوة الخندق]]
[[ملف:Mosque Salaman pharsi, battle of trench, Medina.JPG|تصغير|يسار|مسجد سلمان الفارسي، أحد المساجد السبعة]]
وخرج الرسولُ محمدٌ في ثلاثة آلاف من المسلمين، فجعلوا ظهورَهم إلى جبل سلع فتحصنوا به، والخندق بينهم وبين الأحزاب، وكان شعارهم: «هم لا ينصرون»، واستخلف على المدينة [[عبد الله بن أم مكتوم|ابن أم مكتوم]]، وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة. ولما أراد المشركون مهاجمةَ المسلمين واقتحامَ المدينة، وجدوا خندقاً عريضاً يحول بينهم وبينها، فالتجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين، بينما لم يكونوا مستعدين له حين خرجوا من ديارهم، إذ كانت هذه الخطة -كما قالوا- مكيدةً ما عرفتها العرب، فلم يكونوا أدخلوها في حسابهم رأساً.<ref name="الرحيق المختوم"/>

وأخذ المشركون يدورون حول الخندق غضاباً، يتحسسون نقطة ضعيفة لينحدروا منها، وأخذ المسلمون يتطلعون إلى جولات المشركين، يرشقونهم بالنبل، حتى لا يجترئوا على الاقتراب منه، ولا يستطيعوا أن يقتحموه، أو يهيلوا عليه التراب، ليبنوا به طريقاً يمكّنهم من العبور.<ref name="الرحيق المختوم"/>

وكره فوارسٌ من [[قريش]] أن يقفوا حول الخندق من غير جدوى في ترقب نتائج الحصار، فإن ذلك لم يكن من شيمهم، فتلبس منهم للقتال جماعةٌ فيها [[عمرو بن عبد ود]] العامري القرشي و[[عكرمة بن أبي جهل]] المخزومي القرشي وضرار بن الخطاب الفهري القرشي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي القرشي وغيرهم، ثم خرجوا على خيلهم فمروا بمنازل حلفائهم وبني عمومتهم بني [[كنانة]] فقالوا يستثيرون حميتهم للقتال: «تهيئوا يا بني [[كنانة]] للحرب، فستعلمون من الفرسان اليوم»، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم، حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: «والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها»، فتيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فاقتحموه، وجالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج [[علي بن أبي طالب]] في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، ودعا عمرو إلى المبارزة، فانتدب له [[علي بن أبي طالب]]، وقال كلمة حمي لأجلها، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتجاولا وتصاولا، حتى قتله عليٌّ، وانهزم الباقون حتى اقتحموا من الخندق هاربين، وقد بلغ بهم الرعبُ إلى أن ترك عكرمة رمحه وهو منهزم عن عمرو.<ref name="الرحيق المختوم"/><ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ص224</ref>

وكان [[عمرو بن عبد ود]] قد قاتل [[غزوة بدر|يوم بدر]] حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد [[غزوة أحد|يوم أحد]]، فلما كان يوم الخندق خرج معلّماً ليُرى مكانُه، فلما وقف هو وخيله قال: «من يبارز؟»، فبرز له [[علي بن أبي طالب]] فقال له: «يا عمرو، إنك كنت عاهدت الله ألا يدْعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه»، قال له: «أجل»، قال له علي: «فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام»، قال: «لا حاجة لي بذلك»، قال: «فإني أدعوك إلى النزال»، فقال له: «لم يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك»، قال له علي: «لكني والله أحب أن أقتلك»، فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا، فقتله علي، وخرجت خيلهم منهزمةً حتى اقتحمت من الخندق هاربة. وقال علي بن أبي طالب في ذلك:<ref>السير والمغازي، [[ابن إسحاق]]، تحقق سهيل زكار، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1978م</ref>
{{أبيات|
'''نَصَرَ الحجارة من سفاهة رأيه'''\\'''ونصـرتُ رب محمد بـصـوابي'''
'''فصـددتُ حيـن تركـتُه متـجدلاً'''\\'''كالجذع بين دكادك وروابي'''
'''وعفـفتُ عن أثوابه ولو أنني'''\\'''كنت المقـطَّرَ بزّني أثوابي'''
'''لا تحسـبنَّ اللـهَ خاذلَ ديـنِه'''\\'''ونبـيِّه يا معـشرَ الأحـزابِ'''}}
وقد حاول المشركون في بعض الأيام محاولة بليغة لاقتحام الخندق، أو لبناء الطرق فيها، ولكن المسلمين كافحوا مكافحةً شديدةً، ورشقوهم بالنبل وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولتهم. ولأجل الاشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فاتت بعض الصلوات عن الرسولِ محمدٍ والمسلمين،<ref name="الرحيق المختوم"/> فقد وَجَّهَ المشركون كتيبةً غليظةً نحو مقر الرسول، فقاتلهم المسلمون يومًا إلى الليل، فلما حانت [[صلاة العصر]] دنت كتيبةٌ، فلم يقدر الرسولُ ولا أحدٌ من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا، وشغل بهم الرسول فلم يصل [[صلاة العصر|العصر]]، ولم تنصرف الكتيبة إلا مع الليل، فقال الرسولُ محمدٌ: {{اقتباس مضمن|ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارًا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس}}.<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، ج5 ص58، رقم: 4111</ref>

وقد دامت محاولةُ العبور من المشركين، والمكافحةُ المتواصلة من المسلمين أياماً، إلا أن الخندق لمّا كان حائلا بين الجيشين لم يجر بينهما قتالٌ مباشرٌ وحربٌ داميةٌ، بل اقتصروا على المراماة والمناضلة.
وفي هذه المراماة قُتل رجال من الجيشين: ستة من المسلمين وعشرة من المشركين، بينما كان قُتل واحد أو اثنين منهم بالسيف.

=== نقض بني قريظة عهدهم مع المسلمين ===
كان المسلمون يخشون غدر يهود [[بنو قريظة|بني قريظة]] الذين يسكنون في جنوب المدينة، فيقع المسلمون حينئذ بين نارين، اليهود خلف خطوطهم، والأحزاب بأعدادهم الهائلة من أمامهم، ونجح اليهودي زعيم [[بنو النضير|بني النضير]] في استدراج كعب بن أسد زعيم [[بنو قريظة|بني قريظة]] لينضم مع الأحزاب لمحاربة المسلمين، فقد انطلق كبير بني النضير [[حيي بن أخطب]] إلى ديار بني قريظة، فأتى كعب بن أسد القرضي، سيد بني قريظة، وصاحب عقدهم وعهدهم، وكان قد عاقد الرسولَ محمداً على أن ينصره إذا أصابته حرب، فضرب عليه حيي الباب، فأغلقه كعب دونه، فما زال يكلمه حتى فتح له بابه، فقال حيي: «إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طام، جئتك [[قريش|بقريش]] على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال من رومة، و[[بنو غطفان|بغطفان]] على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه»، فقال له كعب: «جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد اهراق ماؤه، فهو يرعد ويبرق، ليس فيه شيء، ويحك يا حيي! فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءً»، فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى سمح له على أن أعطاه عهداً من الله وميثاقا: «لئن رجعت [[قريش]] و[[بنو غطفان|غطفان]]، ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك، حتى يصيبني ما أصابك»، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين، ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين.<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ج2 ص220-221</ref>
[[ملف:Battle of trench site.JPG|تصغير|يسار|موقع غزوة الخندق في المدينة المنورة]]
وسرت الشائعات بين المسلمين بأن [[بنو قريظة|قريظة]] قد نقضت عهدها معهم، وكان الرسولُ محمدٌ يخشى أن تنقض بنو قريظة العهد الذي بينهم وبينه، ولذلك انتدب [[الزبير بن العوام]] ليأتيه من أخبارهم، فذهب الزبير، فنظر ثم رجع فقال: «يا رسول الله، رأيتهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم، وقد جمعوا ماشيتهم»،<ref>مغازي الواقدي، [[الواقدي]]، ج2 ص457</ref> وبعد أن كثرت القرائن الدالة على نقض بني قريظة للعهد، أرسل الرسولُ محمد [[سعد بن معاذ|سعداً بن معاذ]] و[[سعد بن عبادة|سعداً بن عبادة]] و[[عبد الله بن رواحة]] و[[خوات بن جبير]] وقال لهم: {{اقتباس مضمن|انطلقوا حتى تنظروا أحقٌّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقًّا فالحنوا لي لحنًا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس}}،<ref>[[السيرة النبوية لابن كثير|السيرة النبوية]]، [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير]]، ج3 ص199</ref> فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم قد نقضوا العهد، فرجعوا فسلموا على الرسول محمد وقالوا: «[[عضل (قبيلة)|عضل]] والقارة»، فعرف الرسولُ محمد مرادهم. ومعنى الحنوا لي لحنًا: أي قولوا لي كلاماً لا يفهمه أحد سواي، و[[عضل (قبيلة)|عضل]] والقارة: قبيلتان من [[كنانة]] سبق منهما الغدرُ بأصحاب الرسولِ محمد في «ذات الرجيع».

واستقبل الرسولُ غدر [[بنو قريظة|بني قريظة]] بالثبات والحزم واستخدام كل الوسائل التي من شأنها أن تقوي روح المؤمنين وتصدع جبهات المعتدين، فأرسل في الوقت نفسه [[سلمة بن أسلم بن حريس|سلمة بن أسلم]] في مئتي رجل، و[[زيد بن حارثة]] في ثلاثمائة رجل، يحرسون المدينة، ويظهرون [[تكبير (توضيح)|التكبير]] ليرهبوا بني قريظة، وفي هذه الأثناء استعدت بنو قريظة للمشاركة مع الأحزاب، فأرسلت إلى جيوشها عشرين بعيرًا كانت محملة [[تمر]]ًا و[[شعير]]ًا و[[تين شائع|تينًا]] لتمدهم بها وتقويهم على البقاء، إلا أنها أصبحت غنيمة للمسلمين الذين استطاعوا مصادرتها وأتوا بها إلى الرسولِ محمدٍ.<ref>السيرة الحلبية، ج2 ص323</ref>

زادت جيوش الأحزاب في تشديد الحصار على المسلمين بعد انضمام بني قريظة إليها، واشتد الكرب على المسلمين، وتأزم الموقف، وقد تحدث [[القرآن|القرآن الكريم]] عن حالة الحرج والتدهور التي أصابت المسلمين، ووصف ما وصل إليه المسلمون من جزع وخوف وفزع في تلك المحنة الرهيبة، وذلك في هذه الآيات: {{قرآن|الأحزاب|10|إلى آية=11|لا تخريج=1}}.<ref>سورة الأحزاب، الآيتان: 10-11</ref> وكان ظن المسلمين بالله قويًا، وفي ذلك نزلت هذه الآيات: {{قرآن|الأحزاب|22|لا تخريج=1}}.<ref name="سورة الأحزاب، الآية: 22"/>

وتزايدت محاولات المشركين لاقتحام الخندق، وأصبحت خيل المشركين تطوف بأعداد كبيرة كل ليلة حول الخندق حتى الصباح، وحاول [[خالد بن الوليد]] مع مجموعة من فرسان [[قريش]] أن يقتحم الخندق على المسلمين في ناحية ضيقة منه، ويأخذهم على حين غرة، لكن [[أسيد بن حضير]] في مئتين من الصحابة يراقبون تحركاتهم، وقد حصلت مناوشات قُتل فيها الصحابي الطفيل بن النعمان، والذي قتله هو [[وحشي]] قاتل [[حمزة بن عبد المطلب]] [[غزوة أحد|يوم أُحُدٍ]]، إذ رماه [[حربة|بحربة]] عبر الخندق فأصابت منه مقتلاً، واستطاع حبان بن العرقة من المشركين أن يرمي سهمًا أصاب [[سعد بن معاذ|سعداً بن معاذ]] في أكحله (أي في وسط ذراعه)، وقال: «خذها وأنا بن العرقة»، وقد قال [[سعد بن معاذ]] عندما أصيب:<ref>[[صحيح مسلم]]، [[مسلم بن الحجاج]]، كتاب الجهاد والسير، باب إخراج اليهود، ج3 ص1389، رقم: 1769</ref>
{{اقتباس خاص|اللهم إن كنتَ أبقيتَ من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قومَ أحبُّ إليَّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولَك وكذبوه وأخرجوه، اللهم وإن كنتَ وضعتَ الحرب بيننا وبينهم فاجعلها شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.}}

=== مفاوضة غطفان ===
اختار الرسولُ محمدٌ [[بنو غطفان|قبيلة غطفان]] بالذات لمصالحتها على مال يدفعه إليها على أن تترك محاربته وترجع إلى بلادها، فهو يعلم أن غطفان وقادتها ليس لهم من وراء الاشتراك في هذا الغزو أيُّ هدفٍ سياسي يريدون تحقيقه، أو باعثٍ عقائدي يقاتلون تحت رايته، وإنما كان هدفُهم الأول والأخير من الاشتراك في هذا الغزو الكبير هو الحصولَ على المال بالاستيلاء عليه من خيرات المدينة عند احتلالها؛ ولهذا لم يحاول الرسولُ محمدٌ الاتصال بقيادة الأحزاب من اليهود ([[حيي بن أخطب|كحيي بن أخطب]]، وكنانة بن الربيع)، أو قادة قريش [[أبو سفيان بن حرب|كأبي سفيان بن حرب]]، لأن هدف أولئك الرئيسي، لم يكن المال، وإنما كان هدفهم هدفًا سياسيًّا وعقائديًّا يتوقف تحقيقه والوصول إليه على هدم الكيان الإسلامي من الأساس؛ لذا فقد كان اتصاله فقط بقادة غطفان، الذين لم يترددوا في قبول العرض الذي عرضه عليهم الرسول،<ref>غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل، ص201</ref> فقد استجاب القائدان: عيينة بن حصن الفزاري الغطفاني، والحارث بن عوف المري الغطفاني لطلب الرسولِ محمدٍ، وحضرا مع بعض أعوانهما إلى مقر قيادة الرسولِ، واجتمعا به وراء الخندق مستخفين دون أن يعلم بهما أحد، وشرع الرسولُ في مفاوضتهم، وكانت المفاوضة تدور حول عرض تقدم به الرسولُ يدعو فيه إلى عقد صلح منفرد بينه وبين غطفان، وأهم البنود التي جاءت في هذه الاتفاقية المقترحة:
# عقد صلح منفرد بين المسلمين وغطفان الموجودة ضمن جيوش الأحزاب.
# توادعُ غطفانُ المسلمين وتتوقفُ عن القيام بأي عمل حربي ضدهم، وخاصة في هذه الفترة.
# تفكُ غطفان الحصار عن المدينة وتنسحب بجيوشها عائدة إلى بلادها.
# يدفعُ المسلمون لغطفان مقابل ذلك ثلثَ ثمار المدينة كلِّها من مختلف الأنواع، ويظهر أن ذلك لسنة واحدة.<ref>غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل، ص201، 202</ref> فقد قال الرسولُ لقائدي غطفان: {{اقتباس مضمن|أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الأعراب؟}}، قالا: «تعطينا نصف تمر المدينة»، فأبى الرسولُ محمد أن يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك، وجاء في عشرة من قومهما حين تقارب الأمر.<ref>مغازي الواقدي، [[الواقدي]]، ج2 ص477</ref>

وقَبْلَ عقد الصلح مع [[بنو غطفان|غطفان]]، شاور الرسولُ محمد الصحابةَ في هذا الأمر، فكان رأيهم في عدم إعطاء غطفان شيئاً من ثمار المدينة، وقال السعدان: [[سعد بن معاذ|سعدُ بن معاذ]]، و[[سعد بن عبادة|سعدُ بن عبادة]]: «يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه؟ أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به؟ أم شيئا تصنعه لنا؟»، فقال: {{اقتباس مضمن|بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما}}، فقال له [[سعد بن معاذ]]: «يا رسول الله، قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قِرى أو بَيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم»، فقال الرسولُ محمد: {{اقتباس مضمن|أنت وذاك}}، فتناول [[سعد بن معاذ]] الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: «ليجهدوا علينا».<ref>[[البداية والنهاية]]، [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير]]، ج4 ص106</ref> وفي رواية أخرى: بعد أن انتهى [[سعد بن معاذ]] من كلامه، سَُّر الرسولُ بذلك وقال: {{اقتباس مضمن|أنتم وذاك}}، وقال لعيينة والحارث: {{اقتباس مضمن|انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف}}، وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها.<ref>[[تفسير القرطبي]]، [[القرطبي]]، سورة الأحزاب، الآية: 9</ref>

=== اختلاف الأحلاف وتفككهم ===
ذهب رجلٌ من غطفان هو [[نعيم بن مسعود|نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني]] إلى الرسولِ محمد ليعلن إسلامه، وقال له: «يا رسول الله، إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت»، فقال له الرسولُ محمد: {{اقتباس مضمن|إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة}}.<ref>[[البداية والنهاية]]، [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير]]، ج4 ص113</ref> فذهب من فوره إلى [[بنو قريظة|بني قريظة]] -وكان عشيراً لهم في الجاهلية- فدخل عليهم وقال: «قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم»، قالوا: «صدقت»، قال: «فإن قريشاً ليسوا مثلكم، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم»، قالوا: «فما العمل يا نعيم؟»، قال: «لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن»، قالوا: «لقد أشرت بالرأي». ثم مضى نعيم على وجهه إلى [[قريش]]، وقال لهم: «تعلمون ودي لكم ونصحي لكم؟»، قالوا: «نعم»، قال: «إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من [[نقض العهد|نقض عهد]] محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم»، ثم ذهب إلى [[بنو غطفان|غطفان]]، فقال لهم مثل ذلك.<ref name="الرحيق المختوم"/>

فلما كانت ليلة [[سبت (توضيح)|السبت]] من [[شوال]] سنة [[5 هـ|5هـ]]، بعثت [[قريش]] و[[بنو غطفان|غطفان]] إلى يهود: «إنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكراع والخف، فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً»، فأرسل إليهم اليهود: «إن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب مَن قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن»، فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش وغطفان: «صدقكم والله نعيم»، فبعثوا إلى يهود: «إنا والله لا نرسل إليكم أحداً، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمداً»، فقالت قريظة: «صدقكم والله نعيم»، فتخاذل الفريقان، ودبت الفرقة بين صفوفهم، وخارت عزائمهم.<ref name="الرحيق المختوم"/>

وقد نجحت حيلة [[نعيم بن مسعود]] أيما نجاح، فغرست روح التشكيك وعدم الثقة بين قادة الأحزاب؛ مما أدى إلى كسر شوكتهم، وتهبيط عزمهم.<ref name="علي الصلابي"/>

=== دعاء المسلمين بالنصر ===
عندما اشتد الكربُ على المسلمين أكثر مما سبق، حتى بلغت القلوب الحناجر وزلزلوا زلزالاً شديدًا، توجهوا إلى الرسول محمدٍ وقالوا: «يا رسول الله، هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر»، فقال: {{اقتباس مضمن|نعم. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا}}.<ref>[[مسند أحمد|مسند الإمام أحمد]]، عن [[أبو سعيد الخدري|أبي سعيد الخدري]]، ج4 ص18</ref> كما دعا الرسولُ محمدٌ على الأحزاب فقال: {{اقتباس مضمن|اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم}}.<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، كتاب المغازي، باب غزوة الأحزاب، ج5 ص59، رقم: 4114</ref>

=== انهزام الأحزاب وانتصار المسلمين ===
يؤمن المسلمون أن [[الله (إسلام)|الله تعالى]] استجاب دعاءَ نبيه على الأحزاب، فصرفهم بحوله وقوته، وزلزل أبدانهم وقلوبهم، وشتت جمعهم بالخلاف، ثم أرسل عليهم الريح الباردة الشديدة، وألقى الرعب في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده سبحانه، فقد كان الرسولُ محمد يقول: {{اقتباس مضمن|لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده}}.<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، ج5 ص59، رقم: 4114</ref> وجاء في [[سورة الأحزاب]] الآية: {{قرآن|الأحزاب|9|لا تخريج=1}}.<ref>سورة الأحزاب، الآية: 9</ref> قال [[القرطبي]] في تفسير هذه الآية:<ref>[[تفسير القرطبي]]، [[القرطبي]]، ج4 ص144</ref>
{{اقتباس خاص|وكانت هذه الريح معجزة للنبي {{صلى الله عليه وسلم}}؛ لأن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} والمسلمين كانوا قريبًا منهم، ولم يكن بينهم إلا عرض الخندق، وكانوا في عافية منها ولا خبر عندهم بها... وبعث الله عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيول بعضها في بعض، وأرسل عليهم الرعب، وكثر تكبير [[الملائكة في الإسلام|الملائكة]] في جوانب المعسكر حتى كان سيد كل خباء يقول: «يا بني فلان هلم إليَّ»، فإذا اجتمعوا قال لهم: «النجاء النجاء»، لما بعث الله عليهم الرعب.}}

[[ملف:Burton Nabi.gif|تصغير|يسار|رسم [[المسجد النبوي|للمسجد النبوي]] عام [[1857]]م، الذي أُنشأَ فيه أولُ مستشفى إسلامي حربي في غزوة الخندق سنة 5هـ]]
وكان الرسولُ يتابع أمر الأحزاب، وأحب أن يتحرى عما حدث عن قرب فقال: {{اقتباس مضمن|ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة}}،<ref name="مولد تلقائيا1">[[صحيح مسلم]]، [[مسلم بن الحجاج]]، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، ج3 ص1414، رقم: 1788</ref> فاستعمل أسلوب الترغيب، وكرره ثلاث مرات، وعندما لم يُجْدِ هذا الأسلوب لجأ إلى أسلوب الجزم والحزم في الأمر، فعين واحدًا بنفسه فقال: {{اقتباس مضمن|قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم، ولا تذعرهم عليَّ}}.<ref>[[صحيح مسلم]]، [[مسلم بن الحجاج]]، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، رقم: 1788</ref> قال [[حذيفة بن اليمان|حذيفة بن اليمان العبسي الغطفاني]]: {{اقتباس مضمن|فمضيت كأنما أمشي في حمَّام، فإذا أبو سفيان يُصلى ظهره بالنار، فوضعت سهمًا في كبد القوس، وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{اقتباس مضمن|لا تذعرهم عليَّ}}، ولو رميته لأصبته، فرجعت كأنما أمشي في حمَّام، فأتيت رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وأصابني البرد حين رجعت وقررت، فأخبرت رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وألبسني فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائمًا حتى الصبح، فلما أن أصبحت قال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{اقتباس مضمن|قم يا نومان}}}}.<ref name="مولد تلقائيا1" /> ويروى أنه لما كان حذيفة عند الأحزاب، قال [[أبو سفيان بن حرب|أبو سفيان]]: «ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه»، قال حذيفة: فضربت بيدي على يد الذي على يميني فقلت: «من أنت؟»، قال: «[[معاوية بن أبي سفيان]]»، ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي، فقلت: «من أنت؟»، قال: «[[عمرو بن العاص]]»،<ref>شرح الزرقاني، ج2 ص120</ref> وهكذا بدرهم بالمسألة حتى لا يتيح لهم فرصة ليسألوه، وبهذا تخلص من هذا المأزق الحرج الذي ربما كان أودى بحياته.<ref>من معين السيرة، ص293</ref>

=== الشعر والهجاء بين الفريقين ===
بعد تفرق قبائل الأحزاب انبرى [[شاعر|شعراؤهم]] لتهوين انهزامهم، ومن [[قصيدة|القصائد]] التي ذكرت بغزوة الخندق:

قصيدة لضرار بن الخطاب الفهري القرشي، أحدِ شعراء الأحزاب، يهجو فيها المسلمين ويتوعد بغزوهم كرة أخرى فيقول:<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ص255</ref>
{{أبيات|
'''ومشفقة تظن بنا الظنونا'''\\'''وقد قدنا عرندسة طحوناً'''
'''كأن زهاءها [[جبل أحد|أحد]] إذا ما'''\\'''بدت أركانه للناظرينا'''
'''ترى الأبدان فيها مسبغات'''\\'''على الأبطال واليلب الحصينا'''
'''وجرداً كالقداح مسومات'''\\''' نؤم بها الغَواة الخاطئينا'''
'''كأنهم إذا صالوا وصُلنا'''\\'''بباب الخندقين مصافحونا'''
'''أناسٌ لا نرى فيهم رشيداً'''\\'''وقد قالوا ألسنا راشدينا'''
'''فأحجرناهم شهراً كريتاً'''\\'''وكنا فوقهم كالقاهرينا'''
'''نُراوحهم ونغدو كل يوم'''\\'''عليهم في السلاح مدججينا'''
'''بأيدينا صوارم مرهفات'''\\'''نقدُّ بها المفارق والشؤونا'''
'''كأن وميضهن معرِّيات'''\\'''إذا لاحت بأيدي مصلتينا'''
'''وميضُ عقيقةٍ لمعت بليلٍ'''\\'''ترى فيها العقائق مستبينا'''
'''فلولا خندق كانوا لديه'''\\'''لدمرنا عليهم أجمعينا'''
'''ولكن حال دونهم وكانوا'''\\''' به من خوفنا متعوذينا'''
'''فإن نرحل فإنا قد تركنا'''\\'''لدى أبياتكم [[سعد بن معاذ|سعداً]] رهيناً'''
'''إذا جن الظلام سمعت نوحاً'''\\'''على [[سعد بن معاذ|سعدٍ]] يرجعن الحنينا'''
'''وسوف نزوركمُ عما قريبٍ'''\\'''كما زرناكمُ متوازرينا'''
'''بجمعٍ من [[كنانة]] غير عُزلٍ'''\\'''كأسد الغاب إذ حمَت العرينا'''}}
فأجابه [[كعب بن مالك]] السلمي الخزرجي أحد شعراء المسلمين قائلاً:<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ص256</ref>
{{أبيات|
'''وسائلةٍ تسائل ما لقينا'''\\'''ولو شهدتُ رأتنا صابرينا'''
'''صبرنا لا نرى لله عدلاً'''\\'''على ما نابنا متوكلينا'''
'''وكان لنا النبي وزير صدقٍ'''\\'''به نعلو البرية أجمعينا'''
'''نقاتلُ معشراً ظلموا وعقوا'''\\''' وكانوا بالعداوة مرصدينا'''
'''نعالجهم إذا نهضوا إلينا'''\\'''بضرب يعجل المتسرعينا'''
'''ترانا في فضافض سابغاتٍ'''\\'''كغُدران الملا مُتَسَرْبلينا'''
'''وفي أيماننا بيض خفاف'''\\'''بها نشفي مِراح الشاغبينا'''
'''بباب الخندقين كأن أسداً'''\\'''شوابكهن يحمين العرينا'''
'''فوارسنا إذا بكروا وراحوا'''\\'''على الأعداء شوساً معلمينا'''
'''لننصر أحمداً والله حتى'''\\'''نكون عبادَ صدقٍ مخلصينا'''
'''ويعلم أهل مكة حين ساروا'''\\'''وأحزاب أتوا متحزبينا'''
'''بأن الله ليس له شريك'''\\'''وأن الله مولى المؤمنينا'''
'''فأما تقتلوا [[سعد بن معاذ|سعداً]] سفاهاً'''\\''' فإن الله خير القادرينا'''
'''سيدخله جنات طيباتٍ'''\\'''تكون مقامة للصالحينا'''
'''كما قد ردَّكم فلاً شريداً'''\\'''بغيظكم خزاياً خائبينا'''
'''خزاياً لم تنالوا ثَم خيراً'''\\'''وكدتم أن تكونوا دامرينا'''
'''بريحٍ عاصف هبّتْ عليكم'''\\'''فكنتم تحتها متكمِّهينا'''}}
وقد قال الرسولُ محمدٌ لشاعر المسلمين [[حسان بن ثابت|حسان بن ثابت النجاري الخزرجي]] يوم قريظة: {{اقتباس مضمن|اهج المشركين، فإن [[جبريل]] معك}}.<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، كتاب المغازي، رقم: 4124</ref>

=== أول مستشفى إسلامي حربي ===
أنشأ المسلمون أول [[مستشفى]] إسلامي حربي في غزوة الأحزاب، فقد ضرب الرسولُ محمدٌ خيمةً في [[المسجد النبوي|مسجده]] في المدينة، عندما دارت رحى غزوة الأحزاب، فأمر أن تكون [[رفيدة الأسلمية|رفيدةٌ الأسلميةُ الأنصاريةُ]] رئيسةَ ذلك المستشفى، وبذلك أصبحت أولَ [[ممرض]]ة عسكرية في الإسلام،<ref>المُستشفيات الإسلامية، الدكتور عبد الله السعيد، ص43</ref> وجاء في [[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]] [[ابن هشام (توضيح)|لابن هشام]]: {{اقتباس مضمن|وكان {{صلى الله عليه وسلم}} قد جعل [[سعد بن معاذ]] في خيمة لامرأة من [[أسلم (توضيح)|أسلم]]، يقال لها رفيدة، في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من به ضيعة من المسلمين، وكان {{صلى الله عليه وسلم}} قد قال لقومه حين أصاب سعدَ بنَ معاذ السهمُ بالخندق: {{اقتباس مضمن|اجعلوه في خيمة رفيدة، حتى أعوده من قريب}}}}.<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ج3 ص263</ref>

ويُفهم من النص السابق أن من أصيب من المسلمين إن كان له أهلٌ اعتنى به أهلُه، وإن لم يكن له أهلٌ، جيء به إلى المسجد حيث ضُربت خيمةٌ فيه لمن كانت به ضيعةٌ من المسلمين، و[[سعد بن معاذ]] الأوسي، ليس به ضيعة، ولكن لمَّا أراد الرسولُ محمدٌ الاطمئنان عليه باستمرار، جعله في تلك الخيمة التي أعدت لمن به ضيعة وليس له أهل، ذلك أن هؤلاء هم في رعاية الرسولِ محمدٍ.<ref name="علي الصلابي"/>

=== القتلى في غزوة الخندق ===
==== القتلى من المسلمين ====
استمرت غزوة الخندق والحصار مضروب، فما مضت أسابيع ثلاثة على ذلك الحصار حتى دب القنوط والتخاذل في صفوف المهاجمين، على حين بقيت جبهةُ المسلمين سليمةً لم تثلم، ومع كثرة الأحزاب وتحرشاتهم ومناوشاتهم المستمرة طيلة تلك المدة إلا أنه لم يقتل من المسلمين إلا عدد قليل وهم:
# [[سعد بن معاذ|سعد بن معاذ الأشهلي الأوسي]]، سيد [[الأوس (قبيلة)|الأوس]] وحامل لوائهم يوم الخندق. رماه حبان بن العرقة بسهم فمات به بعد شهر، وهو حبان بن أبي قيس العامري القرشي.<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبوية]]، [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]، ص227</ref>
# [[قائمة الصحابة#أ|أنس بن أوس بن عتيك الأوسي]]، رماه [[خالد بن الوليد]] بسهم فقتله.<ref>[[أسد الغابة في معرفة الصحابة]]، [[ابن الأثير الجزري]]، ج1 ص122، رقم: 244 أنس بن أوس الأوسي</ref>
# عبد الله بن سهل الأشهلي الأوسي.
# [[ثعلبة بن عنمة|ثعلبة بن عنمة السلمي الخزرجي]].
# [[الطفيل بن مالك|طفيل بن النعمان السلمي الخزرجي]]، قتله [[وحشي بن حرب]].
# كعب بن زيد النجاري الخزرجي، قتله ضرار بن الخطاب الفهري القرشي، ويُقال أن الذي أصابه هو أمية بن ربيعة بن صخر الدؤلي الكناني.
# سليط
# سفيان بن عوف الأسلمي، فقد رُوي أن الرسولَ محمداً بعث سليطاً وسفيانَ بن عوف الأسلمي طليعةً يوم الأحزاب، فخرجا حتى إذا كانا بالبيداء التفت عليهم خيل لأبي سفيان، فقاتلا حتى قُتلا، فأُتيَ بهما إلى الرسولِ محمدٍ فدُفنا في قبر واحد، فهما الشهيدان القرينان.<ref>كشف الأستار، ج2 ص333</ref>
# [[سنان بن صيفي|سنان بن صيفي السلمي الخزرجي]].<ref name="ReferenceB">مرويات غزوة الخندق، إبراهيم بن محمد المدخلي، المبحث الثالث: القتلى من الجانبين</ref>

==== القتلى من الأحزاب ====
# منبه بن عثمان بن عبيد العبدري القرشي، أصابه سهم فمات منه بمكة.
# نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي القرشي، اقتحم الخندق بفرسه فتورط فيه فقتل هناك، ولأهميته لدى المشركين، فقد بعثوا لشراء جسده ليدفنوه فأعطاهم الرسولُ محمدٌ إياه وقال: {{اقتباس مضمن|لا خير في جسده ولا في ثمنه}}.<ref>[[سنن البيهقي|السنن الكبرى]]، [[أبو بكر البيهقي]]، رقم: 18356</ref>
# [[عمرو بن عبد ود|عمرو بن عبد ود العامري القرشي]]، قتله [[علي بن أبي طالب]] في مبارزة جرت بينهما.
# حسل بن عمرو بن عبد ود العامري القرشي، فقد قال [[ابن هشام (توضيح)|ابن هشام]]: وحدثني الثقة أنه حُدّث عن [[ابن شهاب الزهري]] أنه قال: «قتل عليٌّ يومئذ عمرو بن عبد ود وابنه حسل بن عمرو».<ref name="ReferenceB"/>

== بعد غزوة الخندق ==
=== نتائج غزوة الخندق ===
لقد كانت غزوة الخندق من [[غزوات الرسول محمد|الغزوات]] المهمة التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم وحققوا فيها نتائج مهمة منها:
* انتصار المسلمين وانهزام أعدائهم، وتفرقهم ورجوعهم مدحورين بغيظهم قد خابت أمانيهم وآمالهم.
* تغير الموقف لصالح المسلمين، فانقلبوا من موقف الدفاع إلى الهجوم، وقد أشار إلى ذلك الرسولُ محمدٌ حيث قال: {{اقتباس مضمن|الآن نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم}}.<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، ج5 ص58، رقم: 4110</ref>
* كشفت هذه الغزوة يهود [[بنو قريظة|بني قريظة]] وحقدهم على المسلمين وتربص الدوائر بهم، فقد نقضوا عهدهم مع الرسول محمد في أحلك الظروف وأصعبها.
* كشفت غزوة الأحزاب حقيقةَ صدق إيمان المسلمين وحقيقةَ المنافقين وحقيقةَ يهود بني قريظة.
* كانت [[غزوة بني قريظة]] نتيجةً من نتائج غزوة الأحزاب، حيث تم فيها محاسبةُ يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد مع الرسول في أحلك الظروف وأقساها.<ref name="علي الصلابي"/><ref>حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول، ج2 ص442</ref>

=== غزوة بني قريظة ===
{{مفصلة|غزوة بني قريظة}}
يؤمن المسلمون أنه في اليوم الذي رجع فيه الرسولُ محمدٌ إلى المدينة، جاءه [[جبريل]] عند [[الظهر]]، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: «أو قد وضعت السلاح؟ فإن [[الملائكة في الإسلام|الملائكة]] لم تضع أسلحتهم، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب»، فسار [[جبريل]] في موكبه من [[ملاك|الملائكة]]، فأمر الرسولُ محمد مؤذناً فأذن في الناس: «من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة». واستعمل على المدينة [[عبد الله بن أم مكتوم|ابن أم مكتوم]]، وأعطى الراية [[علي بن أبي طالب]]، وقدّمه إلى بني قريظة فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها مقالةً قبيحةً لرسول الإسلام محمدٍ.<ref name="الرحيق المختوم"/>

وضرب المسلمون الحصار على بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة،<ref>صحيح السيرة النبوية، ص373</ref> ولما اشتد الحصار وعظم البلاء على بني قريظة، أرادوا الاستسلام والنزول على أن يحكِّم الرسولُ فيهم [[سعد بن معاذ|سعدَ بنَ معاذ]]، ونزلوا على حكمه، ورأوا أنه سيرأف بهم بسبب الحلف بينهم وبين قومه [[الأوس (قبيلة)|الأوس]]، فجيء بسعد محمولاً؛ لأنه كان قد أصابه سهم في ذراعه يوم الخندق، فقضى أن تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن تُقسم أموالهم، فأقرّه الرسولُ محمد، وقال: {{اقتباس مضمن|قضيت بحكم الله}}،<ref>[[صحيح البخاري]]، [[محمد بن إسماعيل البخاري]]، كتاب المغازي، باب مرجع رسول الله من الأحزاب، ج5 ص61، رقم: 4121</ref> ونفذ حكم الإعدام في أربعمائة في سوق المدينة، حيث حفرت أخاديد وقتلوا فيها بشكل مجموعات، وقد نجا مجموعة قليلة جداً بسبب وفائها للعهد ودخولها في الإسلام، وقسمت أموالهم وذراريهم على المسلمين. ويرى المسلمون أن هذا جزاءٌ عادلٌ نزل بمن أراد الغدر وتبرأ من حلفه للمسلمين، وكان جزاؤهم من جنس عملهم، حين عرَّضوا بخيانتهم أرواحَ المسلمين للقتل، وأموالَهم للنهب، ونساءَهم وذراريهم للسبي، فكان أن عوقبوا بذلك جزاءً وفاقًا.<ref>السيرة النبوية الصحيحة، ج1 ص315-317</ref>

ولم تُقتل من نساء بني قريظة إلا واحدة، تروي [[عائشة بنت أبي بكر|السيدة عائشة بنت أبي بكر]] قصتها فتقول: «لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: والله إنها لعندي تتحدث معي تضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها: «أين فلانة؟»، قالت: «أنا والله»، قلتُ: «ويلك وما لك؟»، قالت: «أُقتل»، قلتُ: «ولم؟»، قالت: «حدثًا أحدثتُه»، (وكانت قد طرحت الرحا على [[خلاد بن سويد]] فقتلته، فقتلها رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} به)، فانطلق بها فضُربت عنقُها»، وكانت عائشة تقول: «والله ما أنسى عجبي من طيب نفسها، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تقتل».<ref>صحيح السيرة النبوية، ص377</ref> وبالقضاء على بني قريظة خلت المدينة تمامًا من الوجود اليهودي، وصارت خالصة للمسلمين.<ref name="علي الصلابي"/>

وجمع الصحابة الغنائم التي خلفها بنو قريظة، فكانت من [[سيوف (توضيح)|السيوف]] ألفًا وخمسمائة سيف، ومن [[رمح|الرماح]] ألفي رمح، ومن [[درع (بذلة)|الدروع]] ثلاثمائة درع، ومن التروس ألفًا وخمسمائة ترس وجحفة، كما تركوا عددًا كبيرًا من [[شاه|الشياه]] و[[جمل|الإبل]] وأثاثًا كثيرًا وآنية كثيرة، ووجد المسلمون دنانًا من [[مشروب كحولي|الخمر]]، فوزعت الغنائم وهي الأموال المنقولة كالسلاح والأثاث وغيرها بين المحاربين من أنصار ومهاجرين ممن شهدوا الغزوة، فأعطي أربعة أخماس الغنائم لهم، إذ جعل للفرس سهمين، وللراجل سهمًا، فالفارس يأخذ ثلاثة أسهم له ولفرسه، وغير الفارس يأخذ سهمًا واحدًا له، والخمس المتبقي هو سهم الله ورسوله المقرر في القرآن،<ref>الصراع مع اليهود، ج2 ص96-97</ref> وأما ما وجد الرسولُ محمد والمسلمون من [[مشروب كحولي|الخمر]] عند بني قريظة فقد أراقوه ولم يأخذوا منه شيئاً، ولم ينتفعوا به كذلك. وأما الأموال غير المنقولة كالأراضي والديار فقد أعطاها الرسولُ للمهاجرين دون الأنصار، وأمر المهاجرين أن يردوا إلى الأنصار ما أخذوه منهم من نخيل وأرض، وكانت على سبيل العاريَّة، ينتفعون بثمارها،<ref name="الصراع مع اليهود 2/ 98">الصراع مع اليهود ج2 ص98</ref> وقد جاء في [[القرآن|القرآن الكريم]] عن تلك الأراضي والديار الآيةُ هذه: {{قرآن|الأحزاب|27}}.<ref>سورة الآحزاب، الآية: 27</ref> هذا وقد أرسل الرسولُ محمد [[سعد بن عبادة|سعدَ بن عبادة]] بالخمس من الذرية والنساء إلى [[بلاد الشام|الشام]] فباعها، واشترى بالثمن سلاحًا وخيلاً ليستعين به المسلمون في معاركهم مع الأعداء من يهود ومشركين، وكذلك بعث إلى [[نجد]] سعد بن زيد فباع سبيًا واشترى سلاحًا.<ref name="الصراع مع اليهود 2/ 98"/>

==== مقتل كعب بن أسد رئيس بني قريظة ====
وجيء برئيس بني قريظة كعب بن أسد، وقبل أن يضرب الرسولُ محمدٌ عنقَه جرى بينه وبين كعب الحوارُ التالي: قال الرسولُ محمدٌ: {{اقتباس مضمن|كعب بن أسد؟}}، قال كعب بن أسد: «نعم يا أبا القاسم»، قال الرسول محمد: {{اقتباس مضمن|ما انتفعتم بنصح ابن خراش لكم، وكان مصدقًا بي، أما أمركم باتباعي، وإن رأيتموني تقرئوني منه السلام؟}}، قال كعب: «بلى و[[التوراة]] يا أبا القاسم، ولولا أن تعيِّرني يهودٌ بالجزع من السيف لاتبعتك، ولكني على دين يهود»، فأمر الرسولُ محمدٌ بضرب عنقه فضربت.<ref name="اليهود في السنة المطهرة 1/ 368">اليهود في السنة المطهرة، ج1 ص368</ref> ومما ترويه كتب السيرة النبوية عن يهود بني قريظة أنهم كانوا يُرسَلون طائفة تلو طائفة لتضرب أعناقهم، وقد سألوا زعيمهم كعب بن أسد فقالوا: «يا كعب ما تراه يصنع بنا؟»، قال: «أفي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذُهب به منكم لا يرجع؟ هو والله القتل».<ref name="اليهود في السنة المطهرة 1/ 368"/>

== المصادر ==
{{مراجع}}

== وصلات خارجية ==
{{تصنيف كومنز|Battle of the Trench}}
* [http://islamstory.com/غزوة-الخندق-الأحزاب غزوة الخندق (غزوة الأحزاب) - موقع قصة الإسلام.]
* [http://www.saaid.net/mohamed/279.htm غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ (الأحزاب).. دروس في ذكراها - موقع صيد الفوائد.]
* [https://web.archive.org/web/20170611143521/http://www.eslam.de/arab/begriffe_arab/07cha/grabenschlacht.htm معركة الخندق.]
* [http://islam.alwaha.com/book8-26.html السيرة النبوية - غزوة الخندق - موسوعة الأسرة المسلمة.]
<br />
{| border="2" align="center" width="60%"
|-
|width="30%" align="center"|'''قبلها:'''<br />'''[[غزوة بني المصطلق]]'''
|width="40%" align="center"|'''[[غزوات الرسول محمد|غزوات الرسول]]'''<br /> غزوة الخندق
|width="30%" align="center"|'''بعدها:'''<br />'''[[غزوة بني قريظة]]'''
|}
{{غزوات الرسول}}
{{مواضيع الإسلام}}
{{شريط سفلي محمد}}
{{شخصيات وأسماء مذكورة في القرآن}}
{{شريط محتوى متميز|مختارة|النسخة=|التاريخ=19 ديسمبر 2012}}
{{ضبط استنادي}}
{{شريط بوابات|الإسلام|التاريخ|التاريخ الإسلامي|الحرب|السعودية|محمد}}

[[تصنيف:627]]
[[تصنيف:تاريخ قريش]]
[[تصنيف:غزوات الرسول محمد]]
[[تصنيف:محمد في المدينة]]
[[تصنيف:مواضيع إسلامية يهودية]]
[[تصنيف:نزاعات في عقد 620]]